تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول الشيخ علي الطنطاوي في ذكرياته [2/ 43]: (وأثرت بعض المشايخ لما فقدت طريقتهم في الدعوة إليه وفي تلقين المتعلمين أحكام شريعته , وكانت في الحق أسوأ الطرق في التدريس في كتب ألفت على أسوأ الأساليب في التأليف , متن موجز إيجازاً مخلاً , كأن مؤلفه بخيل كلف بأن يرسله في برقية — إلى استراليا يغرم أجرتها من ماله , فهو يقتصد في الكلمات لتقل عليه النفقات وانظروا "جمع الجوامع" و "التحرير" في الأصول مثالاً على هذه المتون وقابلوا أسلوبه بأسلوب الغزالي في "المستصفى" كانت أكثر الكتب التي يعكفون عليها بعيدة عن البيان بعد الأرض عن السماء معقدة العبارة أعجمية السبك , وإن كانت عربية الكلمات , فيأتي من يوضح غامض المتن فيدخل جملة من عنده بين كل جملتين منه كما يرقعون اليوم الجلد المحروق من الآنسان بقطعة جلده السليم , فينتج الرتق أو يظهر الفتق وهذا هو الشرح. ويأتي من يضع لهذا الشرح حواشي وذيولاً يطوله فيها فيجمله أو يقبحه و يعطله , وهذه هي الحاشية).

ويقول الطاهر ابن عاشور: (فكان سائر الناس ينظر إلى تأليف المشرق نظر المشوق ويتهافتون لتحصيلها , ولكن نشأتهم من ذلك ولع بحب الاختصار وبكثرة فخرجوا من جادة العلم إلى مناقشات اللفظ والتعقيدات , ومن العجب أن صار المؤلف يصرف جهده إلى أن تكون عباراته مضبوطة جارية على الصواب , لكنها غير واضحة في مراده , فكأنه يقتنع بكونها مؤدية للمراد في ذاتها بقطع النظر عن عسر استفادة مطالعها ذلك منها.

ويضيف: نشأت عقدة اللسان واستتار المسائل تحت الألفاظ واشتغال المؤلفين عن النقد والعناية باختزال حرف أو نقص كلمة كما فعل خليل , وابن ألسبكي , والمحلي , والخونجي , حتى صار الكاتبون ينتقدون صاحب الاختصار في بعض التراكيب بأنه لو قال كذا لكان أخصر فضعفت الأفهام , وتهيأت لشرح تلك المغلفات , وإضاعة بقية الأوقات , والخصومة في معاني الكلمات , هل تدل على ما قصده المؤلف أولا , فمن قائل نعم , ومن معترض بلا ومن ناقد للاعتراض ومنتصر , وبعد طول الزمان صرفت الأذهان عن الفائدة ونسي المؤلفون خطتهم فأصبحت لا ترى التأليف إلا مناقشات وخصومات في الألفاظ والعبارات , وفي ذلك يضيع عمر الطالب ويخور فكره , ويصبح رجلاً قادراً على المكابرة واللجاج بغير حجاج , فماذا بقي للعلماء من مجدهم القديم , انحصرت دائرة التأليف في نقل ما قاله المتقدمون , ترى تأليفاً يظهر بعد آخر , ولا تجد شيئاً جديداً أو رأياً أو تمحيصاً) [أليس الصبح بقريب ص 165, 167].

ومن خلال النقولات السابقة نستطيع ارجاع نقدهم للمختصرات لعدة أسباب:• إخلال المختصرات بالبلاغة والتضحية باللفظة الفصيحة أو الجملة البلاغية لأجل الاختصار.

• فيها تخليط على المبتدي بتقديم نهايات العلم عليه قبل مقدماته , مع أن مرتبتها في نهاية الطلب لا في ابتدائه.

• أنها تنقل المتعلم من مسائل العلم الحقيقية التي لأجلها وجد إلى تتبع ألفاظ المختصرات , فتأخذ وقتاً طويلاً لفهمها أولاً وينشغل بإشكالاتها التي لا تنتهي ولا فائدة منها ثانياً.

• أن طريقة تعلم المختصرات تعتمد على التكرار حتى يرسخ المختصر في الذاكرة وهذا يؤدي لضعف الملكة وضمور الإبداع لديه.

• أنها تشغل عن الأمهات والكتب المطولات فيقتصر عليها في الدرس والفتوى وغير ذلك مما يحتاج إليه في ذلك العلم حتى تنسى المطولات والأمهات تماماً.

أما اتهام المختصرات ببعدها عن الفصاحة والبلاغة فهذا واضح في كثير منها فالمختصر همه اللفظ القليل الجامع لمعان كثيرة ولا يقتصر على هذا بل إذا احتمل الكلام منطوقاً ومفهوماً قدمه , وهذا مختصر خليل الشهير في الفقه المالكي يقال: فيه مائة ألف مسألة منطوقة ومثلها مفهومة , ولعل عذر مؤلف المختصر أن أساليب العلم وألفاظه تختلف عن أساليب العرب وعباراتهم الفصيحة , فلو أراد أن يركب كلاماًٍ علمياً بعبارات فصيحة وجمل بليغة لأدى ذلك أن يضحي بأحدهما إما بالعلم أو بالبلاغة وألفاظ العلم وأساليبه أبعد ما تكون عن البلاغة فهي تخاطب العقل بعكس الأساليب البلاغية التي تخاطب الروح والوجدان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير