تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أ - الاجتهاد بالرأي: يبرز هذا المجال بجلاء ملامح الشخصيّة العلميّة عند الطبري و أهمّ مميّزاتها، فلئن كان في المجال الأول يعتمد أساسا على المأثور و المجهود المبذول في أقصى الحالات هو تفحص صحة الروايات من عدمها، فإنّ في المجال الثاني اعتمد أساسا على النظر و الاجتهاد في استنباط المعاني ونقد الآثار والترجيح بينها.

ب - اللّغة العربية (17) و منها: الاحتكام إلى المعروف من كلام العرب و رجوعه إلى الشعر الجاهلي يعود الطبري كثيرا إلى الشعر الجاهلي و ذلك تأكيدا لما جاء في مقدمة تفسيره: «و هذا القرآن نزل بلغة العرب، فواجب لمن أراد أن يعلم تأويله أن يكون بأشعارهم عالما و للغتهم مدركا و لأسرار كلامهم متقنا،» (18) (19). فالمعرفة باللّغة من العلوم الضروريّة لفهم المراد من كلام الله تعالى. لذلك اتّخذ الطبري اللغة بمباحثها منهجا أساسا في تفسيره: حيث يجعل النحو أو الإعراب خادما للمعنى القرآني،ووظّف اللّغة ومباحثها لخدمة المعنى المستنبط من الآية وهو ما دفعه في كثير من المواضيع إلى أن يعتمد المنطق اللّغوي بما يتبادر منه من المعاني الظاهرة الأولى باعتبار أنّ هذا المنطق هو الأرضيّة الصلبة والأساس المكين الذي ينطلق منه إلى التعمّق في معاني الآيات، ودفعته عنايته بالمباحث اللّغويّة إلى استعراض ثقافته الشعريّة.

ت - القراءات: كانت عناية الطبري بالقراءات بالغة الأهميّة عكست عمق اطّلاعه في هذا الفنّ من العلوم، و لا يخفى ما لاختلاف وجوه القراءات المشهورة من أثر في توجيه معاني آيات القرآن الكريم (20).

ث - الإجماع: وهو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم و السنة النبويّة المطهّرة، لذلك حظي بمنزلة هامّة في تفسيره، فكثيرا ما يستند إليه ويجعله سلطانا كبيرا في اختيار الأقوال و ترجيحها (21)، واعتمده أيضا في الفصل بين العديد من المسائل اللّغويّة.

يعتبر التأويل عماد الاجتهاد عند الطبري، ولذلك عدّ أصلا منهجّيا في تفسيره، و أشار الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور إلى منهج الطبري في إيجاز، مركّزا بأنّه ممّن يتمسكون بدلالة المفردات اللّغويةّ على المعاني، التي هي مستعملة فيها بيان المعنى الأصلي للمفرد و المعنى المنقول إليه مع بيان مناسبة النقل، والاستشهاد بالشعر العربي و يضيف الشيخ محمد الفاضل في بيان استعمال الطبري للتأويل: «و يؤيّد القول المتّفق عليه بقوله: «و مثل الذي قلنا قال أهل التأويل، و إذا كان المعنى غير متفق عليه يقول و بما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل»». ومن أمثلة اعتنائه بالمأثور عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. جاء في تفسيره لقوله تعالى:? لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ? (22) «والصواب من القول في ذلك عندنا، ما تضافرت عليه الأخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال «سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب، فالمؤمنون يرونه والكافرون عنه يومئذ محجوبون» (23) كما قال جلّ ثناؤه ? كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ? (24) (25). وبعد استعراضه للأقوال الواردة فيها يعلّق بأنّ أولى القولين في ذلك بالصحّة: «القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرمة، من أنّ معنى ذلك تنظر إلى خالقها، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ أدنى أهل الجنّة منزلة، لمن ينظر في ملكه ألفي سنة، قال وإنّ أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله كلّ يوم مرّتين، قال ثمّ تلا ? وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ?قال بالبياض والصفاء، قال إلى ربّها ناظرة، قال تنظر كلّ يوم في وجه الله عزّ وجلّ» (26)» (27). ومن أمثلة اعتنائه بالقراءات: جاء في تفسيره لقوله تعالى:? حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ? (28) الاختلاف الواقع بين القرّاء في قراءة قوله: «حَتَّى إِذَا جَاءَنَا» قرأته: عامّة قرّاء الحجاز سوى ابن محيص و بعض الكوفيّين وبعض الشاميّين (حتى إذا جاءنا) على التثنية، و معنى ذلك حتى إذا جاءنا هذا الذي غشي عن ذكر الرحمان و قرينه و الذي قيّض له من الشياطين (29). وقرأته عامّة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير