تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قرّاء الكوفة و البصرة و ابن محيص (حتى إذا جاءنا) بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الغاشي من بني أدم عن ذكر الرحمان (30).

ويرى الطبري أنّ القراءتان جائزتان و متقاربتان لأنّهما: «قراءتان متقارباتا المعنى و ذلك أنّ خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين، عند مقدمه عليه فيما أقرّنا في الدنيا الكفاية للسامع عن خبر الأخر، إذ كان لخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الآخر، و هما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب» (31). وفي قوله تعالى:? وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ? (32) يجمع بين القراءتين مادامتا تؤديان نفس المعنى فيقول: «والصواب من القول في ذلك عندي، أنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار و متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب» (33). ويذكر في قوله تعالى:? فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ? (34) الاختلاف الحاصل بين القرّاء في القراءة: قرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و الحجاز و البصرة: بضمّ الصاد ... فالمعنى أضممهنّ إليك ووجههنّ نحوك (35). وقرأته جماعة من أهل الكوفة بالكسر بمعنى فصرهنّ ... ففيما ذكرنا من أقوال من روينا قوله في تأويل قوله ? فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ? أنّه بمعنى قطعهنّ، إليك دلالة واضحة على صحّة ما قلنا في ذلك و فساد قول من خالفنا فيه. و إن كان ذلك كذلك فسواء قرأ القارئ ذلك بضمّ الصاد فصُرهن إليك، أو كسرها فصرهنّ إن كانت اللّغتان معروفتين بمعنى واحد، غير أنّ الأمر و إن كان كذلك فإنّ أحبّهما إليّ أقرأ به فصُرهنّ إليك بضمّ الصاد، لأنّهما أعلى اللّغتين و أشهرهما في أحياء العرب (36). أمّا في قوله تعالى ? لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ? (37) يبيّن الطبري الاختلاف في القراءة بين قرّاء الحجاز وعامّة قرّاء العراق، ويرى الصواب فيها أن يوفّق بينهما في المعنى بأن يقرأ جميعا على مذهب ما لم يتمّ فاعله، أو على مذهب ما يسمّى فاعله، يذكر ذلك قائلا: «فأمّا أن يقرأ أحدهما على مذهب ما لم يتمّ فاعله والآخر على وجه ما قد يسمّى فاعله من غير معنى ألجأه على ذلك، فاختيار خارج عن الفصيح من كلام العرب» (38).

ومن أمثلة اعتنائه باللّغة: يستعرض الخلاف القائم بين أهل اللّغة في وجه نصب قوله تعالى:? إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ? (39) بعض نحاة البصرة: نصب كل شيء في لغة من قال: «عبد الله ضربته .... و هي في كلام العرب كثيرة ... فجعل خلقناه من صفة الشيء». غيره: إنّما نصب كلّ لأنّ قوله: خلقناه فعل لقوله «أنا» و هو أولى بالتقديم إليه من المفعول، فلذلك اختير النصب. ويرى أنّ: «القول الثاني أولى بالصواب عندنا من الأول (40)». و في قوله تعالى:? مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ? (41) يقول الطبري: «إنّ الآثار دلّت على السماوات في تصدّعها و تشقّقها لربّها و أطاعت له في أمره إيّاها- و يستشهد بالمأثور في ذلك عن العرب- والعرب تقول: إذن لك في الأمر إذنا بمعنى استمع لك، و منه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه و سلم «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن» يعني بذلك ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبييّ يتغنّى بالقرآن» (42)، و منه قول الشاعر: «صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به و إن ذكرت بسوء عدهم أذن» (43)، و في قوله تعالى: ? وَحُقَّتْ?: حققّ الله عليها الاستماع بالانشقاق و الانتهاء إلى طاعته في ذلك» (44).

الخاتمة:

يعكس تفسير الطبري عن خصائص الشخصيّة العلميّة والصناعيّة للطبري التي أثّرت في العديد من التفاسير اللاحقة عنه، فكان مفسّرا استوعب في تفسيره معارف عصره وآثار أسلافه وحاول توظيفها في استجلاء معاني القرآن الكريم، كما ساهم في استقلاليّة التفسير عن الحديث، وبذلك اعتبر إماما في التفسير كان له فيه السبق التاريخي والصناعي.

الهوامش:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير