تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بأن الوعيد الثاني أبلغ من الوعيد الأول وأشد) (إنتهى)

والثاني: أنه تأكيد لفظي بطريقة تكرار اللفظ إذ كرر سبحانه قوله (كلا سيعلمون) وأشار ابن كثير لذلك التأكيد في تفسيره (8/ 302) بقوله: (ثم قال تعالى متوعدًا لمنكري القيامة: {كَلا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ} وهذا تهديدٌ شديد ووعيد أكيد.) (إنتهى)

تنبيه: قد يخطر بالبال كلام بعض المفسرين من أنه لا تكرار هنا إذا اختلف المعنى فنقول ليس الأمر كذلك لأمرين الأول: أن التكرار في اللفظ واقع وهو من أساليب التأكيد والتحقيق والثاني: أنه لم يختلف المعنى وإنما زاد توكيدا بحصول مزيد من البطلان لشكهم ونكرانهم للبعث فكلا العلمين علمٌ ببطلان ما انكروه وشكوا فيه من البعث يوم القيامة وكلاهما حاصل بالرؤية يعني رؤيتهم البعث يوم القيامة وما فيه من الأهوال وما زاد الثاني على الأول إلا تأكيدا بالحس زيادة على الرؤية بأن علموا أنهم مع رؤيتهم لذلك البعث وأهواله وعذابه أنهم لا شك مواقعونه بحواسهم وأجسامهم لكفرهم وشكهم ونكرانهم فتأمل.

وذهبنا إلى أن العلم الأول هو علمهم بطلان زعمهم برؤيتهم بأعينهم ذلك يوم القيامة وأن العلم الثاني هو حين يعلمون انهم مواقعون العذاب ولا محالة لثلاث أمور:

الأول: قوله تعالى: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) سورة الكهف إذ فيه العلم الأول والثاني فالأول رؤيتهم ذلك والعلم الثاني هو علمهم اليقين انهم مواقعونها لا محالة والظن هنا هو العلم اليقيني كما هو معلوم وقد أشار العلماء لذلك عند تفسير الظن في هذه الآية وآيات أخر ورد فيها الظن بهذا المعنى.

الثاني: بيانه سبحانه أن المنكرين والمشككين للبعث سيعلمون ذلك والسين تدل على أن ذلك سيحصل في المستقبل فهو مُشعِرٌ بأن ذلك العلم سيكون حين البعث يوم القيامة في وقت لا ينفع فيه العلم صحابه ولا ينفعه الندم ولا ناصر له فيتردى في الجحيم قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) سورة يونس) وقال: (وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سورة سبأ) وقال أيضاً: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) سورة الجن) ولذا قال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (31/ 4): (قوله سَيَعْلَمُونَ والظاهر أن المراد منه أنهم سيعلمون هذا الذي يتساءلون عنه حين لا تنفعهم تلك المعرفة ومعلوم أن ذلك هو القيامة) (إنتهى) وقال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان (8/ 408): (ولكن العلم الحقيقي بالمعاينة لم يأت بعد لوجود السين وهي للمستقبل، وقد جاء في سورة التكاثر في قوله: (أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)، وهذا الذي سيعلمونه يوم الفصل المنصوص عليه) (إنتهى)

أقول فليس المراد أن علمهم يكون في المستقبل من الدنيا بقرينة السياق التي هي دليل ظاهر على أن ذلك العلم حاصل يوم القيامة وهو الأمر الثاني.

الثالث: ويؤكد ذلك أن سياق الآيات بعد ذلك يتكلم عن ادلة يوم القيامة ثم ذكر يوم الفصل صراحة ثم بعض أهواله فيلزم أن علمهم في الآيتين إنما هو في الآخرة حين البعث والنشور وحلول يوم القيامة وليس في الدنيا وترتيب العلم بالبعث حين وقوعه لا يستقيم إلا بما ذكرنا وهو المنسجم وسياق الآيات فتأمل والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير