الرابع: أن الترتيب بثم يفيد ان العلم الثاني أشد وابعد زمنا من الأول كما مر بيانه ومعلومٌ أن العلم الثاني لا يكون أشد إن كان مجرد تكرار الرؤية وحدها وإنما المراد من الثاني شيء زائد على مجرد الرؤية للبعث وأهواله وذلك الشيء هو علمهم أنهم مواقعون العذاب وداخلون جهنم ولا محالة وهذا يكون أيضا بعد الرؤية التي هي علمهم الأول فيتحقق الترتيب والبعد الزماني الذي سببته ثم فتأمل.
والذي ذهبنا إليه في تفسير الآيتين هو معنى ما ذكره العلامة ابن جرير إمام المفسرين في تفسيره (24/ 150 - 151) إذ قال: (وقوله: (كَلا) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين ينكرون بعث الله إياهم أحياء بعد مماتهم، وتوعدهم جل ثناؤه على هذا القول منهم، فقال: (سَيَعْلَمُونَ) يقول: سيعلم هؤلاء الكفار المنُكرون وعيد الله أعداءه، ما الله فاعل بهم يوم القيامة، ثم أكد الوعيد بتكرير آخر، فقال: ما الأمر كما يزعمون من أن الله غير محييهم بعد مماتهم، ولا معاقبهم على كفرهم به، سيعلمون أن القول غير ما قالوا إذا لقوا الله، وأفضوا إلى ما قدّموا من سيئ أعمالهم.) (إنتهى) فتأمله.
وجاء في المنتخب (هو تفسير لجنة من علماء الأزهر) عين ما ذهبنا إليه في تفسير الآيتين وهذا نص ما فيه: (4 - زجراً لهم عن هذا التساؤل، سيعلمون حقيقة الحال حين يرون البعث أمراً واقعاً.
5 - ثم زجراً لهم، سيعلمون ذلك عندما يحل بهم النكال.) (إنتهى) وأيضا في أيسر التفاسير لأسعد حومد ما نصه: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) (4) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّهُ لاَ بَعْثَ بَعْدَ المَوْتِ، وَلاَ نُشُورَ (كَلاَّ) فَهُنَاكَ بَعْثٌ، وَهُنَاكَ حِسَابٌ.
وَيَتَهَدَّدُ اللهُ تَعَالَى المُنْكِرِينَ المُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ، حِينَما يُعَاينُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَحِينَ يُسْأَلُ كُلُّ إِنْسَانٍ عَمَّا اكْتَسَبَ مِنْ عَمَلٍ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا.
كَلاَّ - رَدْعٌ وَزَجْرٌ عَنِ الاخْتِلاَفِ فِيهِ.
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)
(5) - ثُمَّ كَرَّرَ اللهُ تَعَالَى تَهْدِيدَهُ لِهَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ بِدُونِ شَكٍّ حَقِيقَةَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ، عِنْدَمَا يَحِلُّ بِهِم النَّكَالُ يَوْمَ القِيَامَةِ.) (إنتهى)
قال الشيخ العدوي في سلسلة التفسير: (قوله تعالى: (كلا سيعلمون.) {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:4]، (كلا) كلمة: ردع وزجر ونفي لمعنىً متقدم، فمثلاً: قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا} [عبس:1 - 11]، فكلا هنا معناها: وليس الأمر كما تصرفت يا محمد! ليس التصرف الصحيح هو الذي تصرفته في هذا المقام.
فكلا نفي للتصرف الذي تقدم، وللظن الذي تقدم، فكلا أحياناً تتضمن معنى الردع والزجر، فهنا قال تعالى: (كَلَّا)، أي: ليس الأمر كما ظننتم أنه ليس هناك بعث ... إلى أن قال الشيخ العدوي: ({سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:4] أن ظنهم خاطئ، وأن قولهم في غير محله.
{ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:5]، لماذا كررت {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ}؟ قال فريق من أهل العلم: إنها كررت للتأكيد، أي: إن الأمر ليس كما تظنون، ثم إن الأمر ليس كما تظنون، بل هذا القرآن من عند الله منزل، والبعث آت لا شك فيه ..... ) (إنتهى بتصرف عنه حفظه الله).
قولٌ في غاية البطلان والنكارة والغرابة: قال ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 151): (وذُكر عن الضحاك بن مزاحم في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك (كَلا سَيَعْلَمُونَ) الكفار (ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ) المؤمنون، وكذلك كان يقرأها.) (إنتهى)
¥