أما القول الأول فقد مر أن الراجح الجمع بينه وبين القول الثاني
فممن قال بالقول الأول ابن كثير في تفسيره (8/ 302 - 303) إذ قال: (وقوله: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} أي: قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد (1) والسعي في المعايش (1) في عرض النهار. وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة "الفرقان" (2).) (إنتهى)
وذهب له القاسمي في تفسيره محاسن التأويل إذ قال عند تفسيره لقوله تعالى: ({ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} [46 - 47].
{وَالنَّوْمَ سُبَاتاً} أي: راحة للأبدان تستعيض به ما خسرته من قواها) إنتهى وقال عند تفسير آيتنا: ({وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي: راحة ودَعَة، يريح القوى من تعبها ويعيد إليها ما فقد منها. إطلاقاً للملزوم وهو السبات بمعنى النوم، وإرادة لّلازم وهو الاستراحة.) إنتهى
وذهب له أيضا الشيخ الدروبي في تفسيره (شرح الكلمات وما ترشد إليه الآيات) إذ قال: ((والنَّوْمَ سُبَاتًا) قاطعا للحركة لراحة الأبدان) إنتهى
أما القول الثاني فذهب له الألوسي الألوسي في تفسيره (روح المعاني) (30/ 7) وقد مر نقل كلامه آنفاً.
أما القول الثالث فضيف إذ ليس مناسبقاً للمقام فالسياق لا يدل عليه بل يدل على القولين الأول والثاني فالمراد من الآية أن النوم كالسبات وهو انقطاع الحركة والراحة الشبيه بالموت والاية دليل من أدلة البعث كما مر ولذا فالقول الرابع غير مناسب كدليل للبعث كما هو ظاهر ولأن النوم قد يكون ممتدا طويلاً وقد يكون قصيرا ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت.
وضعفه الألوسي ورجح القول الثاني في تفسيره روح المعاني (30/ 7) فقد سبقه بقوله قيل التي تدل على التضعيف وهذا نص كلامه: (وقيل السبت التمدد كالسبط يقال سبت الشعر إذا حل عقاصه وعليه تفسير السبات بالنوم الطويل الممتد والأمتنان به لما فيه من عدم الأنزعاج ... إلى أن قال: واختار المحققون كون السبات هنا بمعنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى) إنتهى
وكذلك فعل العلامة القاسمي في تفسيره محاسن التأويل عند تفسيره آيتنا هذه إذ قال: (وقيل: السبات هو النوم الممتد الطويل السكون؛ ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم: إنه مسبوت وبه سبَات. ووجه الامتنان بذلك ظاهر؛ لما فيه من المنفعة والراحة، لأن التهويم والنوم الغرار لا يكسبان شيئاً من الراحة. وقد أفاض السيد المرتضى في" أماليه" في لطائف تأويل هذه الآية.) إنتهى قلت فقد سبقه بكلمة قيل التي تدل على التضعيف فتنبه وقد مر اختيار القاسمي للقول الأول.
أما القول الرابع بأنه النوم الخفيف على أن المعنى جعلنا نومكم نوما خفيفا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم
فضعيف والرد عليه هو الرد على القول الثالث ولأن النوم قد يكون خفيفا وقد يكون ثقيلا ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت.
أما القول الخامس فضيف كسابقيه والرد عليه كالرد عليهما ولأن النوم قد يكون متقطعا وقد يكون ممتدا طويلاً ولم تحدد الآية ايهما بل أطلقت ولا دليل على تعيين ذلك فيبقى السبات على إطلاقه وهو اصله المراد منه وهو قطع الحركة والسكون راحة كالموت.
شبهة للملاحدة والرد عليها
وقال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (31/ 7): (قوله تعالى وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً طعن بعض الملاحدة في هذه الآية فقالوا السبات هو النوم والمعنى وجعلنا نومكم نوماً واعلم أن العلماء ذكروا في التأويل وجوهاً أولها قال الزجاج سُبَاتاً موتاً والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة ودليله أمران أحداهما قوله تعالى وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ (الأنعام 60) إلى قوله ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ (الأنعام 60) والثاني أنه لما جعل النوم موتاً جعل اليقظة معاشاً أي حياة في قوله وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (النبأ 11) وهذا القول عندي ضعيف لأن الأشياء المذكورة في هذه الآية جلائل النعم فلا
¥