تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يليق الموت بهذا المكان وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً أن الروح انقطع عن البدن بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم ويصير حاصل الكلام إلى إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها قال الليث السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت وقال أبو عبيدة السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت وهذا القول أيضاً ضعيف لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال وإن كان المراد بالسبات شدة ذلك الغشي فهو باطل لأنه ليس كل نوم كذلك ولأنه مرض فلا يمكن ذكره في أثناء تعديد النعم وثالثها أن السبت في أصل اللغة هو القطع يقال سبت الرجل رأسه يسبته سبتاً إذا حلق شعره وقال ابن الأعرابي في قوله سُبَاتاً أي قطعاً ثم عند هذا يحتمل وجوهاً الأول أن يكون المعنى وجعلنا نومكم نوماً متقطعاً لا دائماً فإن النوم بمقدار الحاجة من أنفع الأشياء أما دوامه فمن أضر الأشياء فلما كان انقطاعه نعمة عظيمة لا جرم ذكره الله تعالى في معرض الإنعام الثاني أن الإنسان إذا تعب ثم نام فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب فسميت تلك الإزالة سبتاً وقطعاً وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي راحة وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله فحينئذ تحصل الراحة الثالث قال المبرد وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً أي جعلناه نوماً خفيفاً يمكنكم دفعه وقطعه تقول العرب رجل مسبوت إذا كان النوم يغالبه وهو يدافعه كأنه قيل وجعلنا نومكن نوماً لطيفاً يمكنكم دفعه وما جعلناه غشياً مستولياً عليكم فإن ذلك من الأمراض الشديدة وهذه الوجوه كلها صحيحة) إنتهى

أقول: هذه الشبهة يكفي في الرد عليها أن الله سبحانه وتعالى لم يرد بيان التماثل بين النوم والسبات وإنما أراد بيان التشابه بينهما ومعلوم ان التشابه هو اشتراك في بعض الصفات لا جميعها أما التماثل فهو اشتراك في جميع الصفات فقول الملاحدة أن السبات هو النوم يريدون منه المماثلة وقول المسلمين السبات هو النوم يريدون منه المشابهة وهو كثير في لغة العرب فالعرب تصف الرجل الشجاع فتقول هو أسد! ومعلوم أن الرجل الشجاع ليس مماثل للأسد وإنما اراد العرب من ذلك مشابهته له في قوته وشجاعته وبهذا يتضح جهل وتفاهة هذه الشبهة التي هي كعبربدة السكران وهذيان المحموم.

ومن العجب قول الرازي: (وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً أن الروح انقطع عن البدن بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم ويصير حاصل الكلام إلى إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها قال الليث السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت وقال أبو عبيدة السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت وهذا القول أيضاً ضعيف لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال) إنتهى

فإنه ذكر القول بأن السبات هو الموت أي أن المراد وجعلنا نومكم موتا في الآية وفهم منه أن ذلك يستلزم أن المراد يصبح وجعلنا نومكم نوماً مستدلاً لذلك بأن المراد من هذا الموت انقطاع أثر الحواس الظاهرة وهذا هو النوم! فاقول من المعلوم أن هذا الموت هو كما قال الرازي وهو موتٌ اصغر ولكن ليس المراد من الآية المماثلة بين النوم والموت الأصغر الذي تنقطه فيه الحواس الظاهرة كالكلام والحركة والنظر والذي هو النوم! بل المراد كما سبق بيانه أن الله جعل النوم كالموت الأكبر أي جعله مشابها للموت الأكبر إشارة منه سبحانه على قدرته على إحياء الخلق من الموت الأكبر حين البعث وإنما ذكر بعض العلماء عند هذه الآية الأدلة من القرآن والسنة على ان النوم هو الموت الأصغر والوفاة الصغرى تنبيهاً إلى صحة مشابهة النوم للموت الأكبر في الآية ولأن الأدلة تلك قامت على أنه يشابه الموت الأكبر ولذلك سماه العلماء الموت الأصغر والوفاة الصغرى.

وفي آخر كلامه رجح الجمع بين القول الثاني وهو قطع الحركة للراحة والقول الرابع وهو النوم الخفيف والقول الخامس وهو النوم المتقطع أقول وكل هذه الأقوال فصلنا في ما مر الكلام عليها بما لا حاجة لإعادته هنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير