· قال أبو عبد الإله: ويزيدها وضوحا قول الله تعالى {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر} لو وقفت هنا فإنه لا إشكال في الموصوف بهذا، ولا يفيد مدحا له ولا ذما، فالمعنى إن هناك أناس يقولن إنهم آمنوا بالله وباليوم الآخر، فهل أخذت من هذا مدحهم أم ذمهم؟ الآية لا تمدح ولا تذم بهذا، ولكن يتضح المراد مدحا أو ذما في حال إكمال الآية: {وما هم بمؤمنين} إذا تبين لك أن الله يذمهم بزعمهم الإيمان وهم كاذبون!!!
· فانظر لو طبقنا هذا في آيتنا المختلف فيها فاقرأ {ومن الناس من يشتري لهم الحديث} ثم قف، وانظر ما معنى هذا، ستجد أنه خبر لا يفيد إلا أن هناك من يشتري لهو الحديث من الناس، بيد أنه لا يفيد مدحا ولا ذما، فإذا أردت إكمال المعنى وفهم المراد فأكمل الآية {ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا}، فإذا ليس ذم المشتري لهو الحديث لأنه اشتراه، بل لأنه اشتراه ليضل عن سبيل الله، فعلة الشراء هي المذمومة، لا مجرد الشراء.
· فتبين لك أن تفسير لهو الحديث بالغناء على النص عليه لا يصح، وإنما هو على سبيل المثال، كما قال ابن جرير رحمه الله، وما رأيته من نقل بعضهم لتحريم الغناء، قلنا ولو صح هذا فليس هو من الآية، وإنما هو من دليل آخر غيرها.
· فإذا ثبت حديث الربيع بنت معوذ، وهو ثابت، وحديث الجاريتين وهو ثابت، وغير ذلك مما صح عنه صلى الله عليه وسلم، وما أقر به المخالفون من أن الغناء بغير آية جائز، وعده مثل الحداء وما أشبهها، قلنا إن ذلك لا يستقيم لكم باستدلالكم بحلف ابن مسعود وتفسيره، لأنه حلف على الغناء المجرد من المعازف، وثبت عن الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه غني في بيته، بحجة العيد، كما قال الكرماني في شرحه للصحيح: أما ترى أنه أباح الغناء بحجة العيد. فصار من الملزم لكم أن تقولوا بحرمة كل غناء، حتى وإن خلا من المعازف، فتصدمون بالأحاديث الصحيحة فيه والأمر به ولو في أوقات معينة كالعيد والعرس وقدوم الغائب والختان، كما نص على ذلك النووي وابن كثير، وإما أن تخالفوهما رضي الله عنهما، وتقولوا إنهما قالا قولا وعملنا بقول ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر. فرددنا كلامهما لأنه خالف الصحيح من سنته صلى الله عليه وسلم.
والأقرب إلى الحق فيما يظهر والله أعلم أن لا يترك قول الإمامين الحبرين رضي الله عنهما، وإنما يؤخذ به على سبيل المثال كما قررنا، ويكون المعنى إن الغناء قد يستعمل للإضلال عن سبيل الله، كما قد يفعله بعضهم في هذه المهرجانات، والفيديو كليبات من مجون ومياعة وفسق وفجور وتعر وإثارة جنسية واضحة، يسمونها غناء، وما هي إلا صد عن سبيل الله، حينها نقول نعم الغناء بمثل هذه الصورة لا يصح بحال وهو داخل في الآية قطعا، وقد يكون كفرا.
أما الغناء للترويح خال من الفحش والفجور والمجون ولو كان بآلة فهو جائز، كما يظهر لي مما سبق، والله تعالى أعلم.
هذا ما اتضح لي من النظر في تفسير آية لقمان، منذ ست سنوات، سطرته اليوم مرتبا، وأشهد الله تعالى أني ما سطرته هوى ولا انتصارا لرأي ولكن توضيحا لخطأ في تفسيرها لا أقول من الصحب الكرام ولكن ممن جاء بعدهم، وما من معصوم إلا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وقد أخطأ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وما أزعم أني مصيب وحدي، ولكني أستطيع الجزم أني أقرب إلى الحق، وأرجو أن أكون أصدق في طلبه، لأني لم أتبع فيه فلانا ولا فلانا، لمجرد أنه فلان أو فلان، وإنما نظرت في أدلة كل فريق، وقلت ما أظنه صوابا، وما أرجو أن يكون أوفق وأقرب للدليل، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
وبعد هذا كله، فإني أحل كل مغتاب وشاتم، ومعيب ورام لي بسوء، وناظم في قصيدة، لأني أحسبهم فعلوا ذلك غيرة لما يعتقدون أنه الحق، ومع هذا فإن الغيرة لا بد لها من زمام، وإلا أصبحت تقليدا أعمى، وحجر عثرة في طريق الفهم والمباحثة في كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لمتزمت لرأي أو مذهب أن يزعم أنه وحده المصيب، ولكن إذا علم أن المرء المخالف له ما قال ما قال إلا عن بحث ودراية ونظر وفهم، فإن كان باحثا عن الحق، حتى وإن لم يقنع بما قال مخالفه، فإنه يلزمه أن لا يثلب عليه ولا يغلق طريق البيان عليه، هذا والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ولنا لقاء قريب بإذن الله في الكلام على الحديث المشهور {ليكونن من أمتي أقوام ... } الحديث. والله يتولانا بحفظه ورعايته، ويجمعني بمن خالفته، في جنات ونهر على الأرائك والسرر متحققا فينا: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا. "
*الموضوع للشيخ عادل الكلباني وفقنا الله وإياه للصواب، وهو منشور على موقعه.
أرجو من الإخوة الأفاضل مناقشاة الموضوع بما يتعلق بالناحية الاستدلالية بعيدا عن أي متعلقات أخرى وفق الله الجميع لما فيه الخير.
¥