أ - أن هذا المعنى ورد عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ولم أقف عليه لقتادة
ب - سياق كلام ابن زيد واضح في أن مراده الربط بين الآيتين، وبيان المقصود بهما قصدا أوليا حيث قال (قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيل اللهِ بغيرِ عِلْمٍ وِيتَّخِذَها هُزُوًا) قال: هؤلاء أهل الكفر، ألا ترى إلى قوله: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) فليس هكذا أهل الإسلام، قال: وناس يقولون: هي فيكم وليس كذلك) اهـ
وكلام ابن زيد هنا لا ينتج ما أراد الكاتب ولا يوافق مدعاه؛ لأن سياق كلام ابن زيد في الربط بين الآيتين وبيان المقصود بهما،بدلالة ربطه للآية الثانية بالأولى ونصه على أن الأوصاف فيهما ليست أوصاف أهل الإسلام، فابن زيد هنا في مقام تفسير الآية وربطها بما بعدها وليس في مقام الاستدلال أو الاستشهاد بها أو بجزء منها على حكم من الأحكام أو معنى من المعاني، و القول بدخول أهل الإسلام في الآية أصالة وأنهم المعنيون بها لم يقله أحد، وإنما يدخل في الآية تبعا من تلبس بهذه الأوصاف ويناله حظ من عقوبة أهلها بقدر مشابهته لهم في تلك الأوصاف.
ثم إن منتهى قول ابن زيد أنه لا يرى الآية بمجموع ما فيها من أوصاف صادقة في أهل الإسلام ولا أظن أحدا يخالفه في ذلك، ولو تنزلنا في فهم كلام ابن زيد فمنتهاه أنه لا يرى دخول أهل الإسلام فيها لا كليا ولا جزئيا وهو رأي له يخالفه فيه غيره.
والقول بالعموم في الآية هو الصحيح الذي صححه كثير من أهل العلم ويكفي أن نذكر في هذا المقام كلام ابن عطية الذي أورده الكاتب حيث قال (والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزوا ولا عليهم هذا الوعيد بل ليعطل عبادة ويقطع زمانا بمكروه وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث)
6. دعواه افتقار التفسير بالمثال إلى دليل من الكتاب أو السنة أو لغة العرب، قال الكاتب الفاضل: فتعال لنرى أين الخلل في فهم الآية عند بعض الناس، وقبل أن نبدأ لك أن تسأل وهم يقولون: إن لهو الحديث هو الغناء، فقل لي بربك أين هذا المعنى في لغة العرب!!؟؟؟ وأين هو في أشعارها؟ فأين دليل ذلك من كتاب الله تعالى؟ أين دليله من سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم؟؟ ?إنك لن تجد الحق تبارك وتعالى عبر عن الغناء بلهو الحديث أبدا، ولن تجد ذلك في سنته صلى الله عليه وسلم، ولن تجد ذلك في لغة العرب أبدا، ولا في أشعارها! نعم الغناء من اللهو، ولكن ليس معنى اللهوالغناء!
إذا كيف قال ابن مسعود إنه الغناء، وحلف على ذلك، إنه أمر بسيط جدا يعرفه كل من عرف طريقة السلف في تفسيرهم، فهم يفسرون بالمثال، كما ذكر شيخ الإسلام وغيره عنهم في أمثلة كثيرة، ليس هذا مقام بيانها.
ولكي أثبت لك ذلك تعال معي في جولة من أقوال بعض المفسرين الذين خالفوا في معنى الآية، ولم يحصروه في الغناء كما يلتزم بذلك العلماء الذين يقولون بتحريم الغناء والمعازف استدلالا بحلف ابن مسعود رضي الله عنه. اهـ.
وفي هذا الكلام أمور تحتاج إلى مناقشة مبناها على قضية التفسير بالمثال التي ذكرها الكاتب وبين أنها من طريقة السلف:
الأول: من عرف التفسير بالمثال عرف البون الشاسع بينه وبين معنى اللفظة المفسرة في لغة العرب، فالتفسير بالمثال تفسير على المعنى ولا يندرج تحت التفسير اللفظي، فكيف يطالب الكاتب ببيان صحة قول في اللغة اعترف هو أنه تفسير بالمثال، وطلبه هذا ضرب من المحال، ولازمه أحد أمرين:
إما المطالبة بإثبات استعمال العرب للمثال المفسر به كمعنى من معاني المفردة المفسرة في كل موطن من مواطن ورود التفسير بالمثال.
وإما رد كل الأقوال التي فسرت بالمثال لعدم وجود ذلك التفسير كمعنى للفظة أو الجملة المفسرة في لغة العرب.
وهذا ضرب من المحال وهو دليل على القصور في فهم التفسير بالمثال، فهل يعقل مثلا أن نطلب ممن فسر النعيم بالمثال بأنه الماء البارد أن نقول له اللغة لا تدل على هذا، وهل يعقل أن نرد قول من فسر النعيم بأنه الزوجة الصالحة مثلا لعدم دلالة اللغة على أن النعيم معناه الزوجة الصالحة، وهكذا بقية الأمثلة.
الثاني: يطالب الكاتب بالتدليل على صحة المعنى المفسر بالمثال ببيت من الشعر أو بدليل من الكتاب أو السنة، وهذا فساده أظهر من أن يرد عليه، بل لازمه يمكن به تخطئة النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الكوثر بانه نهر في الجنة، فليأت لنا ببيت من الشعر أو بعالم من علماء اللغة ذكر أن من معاني الكوثر أنه نهر في الجنة.
الثالث: يفهم من كلام الكاتب أن المفسِّرَ للهو بالغناء يقول: إن معنى اللهو هو الغناء، وما أظن مخلوقا عاقلا فضلا عن عالم بله صحابي يقول ذلك، إذ هناك فرق كبير بين المعنى وبين ما يدخل في المعنى ويندرج تحته، ولو عاملنا الكاتب الفاضل بمنطقه في قوله (نعم الغناء من اللهو، ولكن ليس معنى اللهو الغناء) وأسسنا عليه كما أسس لقلنا (نعم التدخين من الخبائث، ولكن ليس معنى الخبائث التدخين، فالتدخين ... )
الرابع: فهم الكاتب من تفسير ابن مسعود أنه يحصر معنى اللهو في الغناء،بل وجعل العلماء القائلين بحرمة الغناء استنادا إلى الآية يلتزمون بحصر اللهو في الغناء، ثم دلل على خطئهم من وجهة نظره بأن حشد مقالته وجعل معظم ما فيها دائرا على نقل كلام المفسرين في بيانهم لعموم الآية المنافي للتفسير بالغناء من وجهة نظره.
والتفسير بالمثال له خاصيتان أساسيتان لو تفطن لهما ما استطاع التجاسر على ما قال:
الأولى: أنه ينافي تمام المنافاة دلالة الحصر والتخصيص ولا يجتمع معها بحال.
الثاني: أنه لا ينافي العموم مطلقا بل العموم يشمل ملايين الأمثلة الداخلة تحته دون منافاة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ونفعنا بكتابه
¥