وآية ثالثة ورابعة وخامسة تدور بين الأمْر والنَّهي، وبين الحلال والحرام، والموعظة بالتَّرغيب والتَّرهيب، كلّ هذه الآيات ليستْ لي أنا، إنَّما هي لفلان وفلان من النَّاس ... إلخ.
3 - آثار المخالفة:
إنَّ واقع كثيرٍ من المسلمين اليوم يبيِّن لنا خطر هذا المنهج في التلقِّي للقرآن وشريعته على واقع المسلمين اليوم، وعلى عقيدتهم ومجتمعهم، لماذا؟ لأنَّ التلقّي بهذه الصورة المنحرفة يؤدّي إلى عدَّة مظاهر انحرافيَّة خطيرة، منها:
1 - ضعف الإيمان في القلوب، وضعْف العقيدة والتَّوحيد في السلوك؛ ذلك أنَّ القرآن باب الإيمان ومدخله.
2 - ضعْف الانتماء الصَّحيح لهذه الشَّريعة الغرَّاء؛ حيث الانفِصام بين الدّين والحياة، وبين القول والعمل، وبين
المرْء ونفسِه ومجتمعه، انفِصام خطير في الشَّخصيَّة المسْلِمة؛ لأنَّ القرآن عندئذٍ لا يكون هو مصدر التلقِّي والتَّوجيه والتَّشريع للمرْء، إنَّما له مصادر ومناهج أُخرى يتلقَّف منها ما يشاء وما يشتهي.
3 - فقْد العلاقة بين المسلم وخالقه؛ لأن القرآن كلام الله - تعالى - ومنهجه المنزَّل، الذي جعله الرَّابطة بين العبد وخالقِه، وذلك بتلاوته وتدبره، والعمل بمنهجه، والدَّعوة إليه، والاستزادة منه، فإذا ضعفت علاقة العبد بِهذا المنهج والمصْدر الربَّاني، ضعفت العلاقة بينه وبين خالقه - سبحانه وتعالى.
إنَّ الإنسان يضلُّ وينحرف، وتأخُذُه أمواج الفِتَن والشَّهوات والشُّبُهات، إذا لم يتَّجه بهداية القُرآن: ? لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? [النور: 46]، وفي الحديث: ((أمَّا بعد، ألا أيُّها النَّاس، فإنَّما أنا بشر يُوشك أن يأتيَني رسولُ ربِّي فأجيب وأنا تاركٌ فيكم ثقلَين: أوَّلُهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، وتمسَّكوا به))، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثمَّ قال: ((وأهْل بيْتي))، وفي لفظٍ: ((كتاب الله هو حبْل الله المتين، من اتَّبعه كان على الهدى، ومَن تركه كان على الضَّلالة))؛ رواه مسلم.
إنَّ الإنسان يقع في الخُسران والانحِراف عن منهج الله وشريعته، إذا لَم يعمل بالقرآن: ? إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ? [العصر: 1، 2].
إنَّ الإنسان يقع في سبل الشَّيطان ومكايده إذا لَم يستقم على صراط القرآن: ? قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ? [طه: 123 - 127].
إنَّ الإنسان تنقطع طرُق الاتِّصال بينه وبين الله تعالى، كما يفقد معالِمَ الاهتداء، إذا لَم يستمْسِك بحبل القرآن: ? إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ? [الإسراء: 9]، وفي الحديث: ((أبشروا، أليْس تشْهدون أن لا إله إلاَّ الله، وأنِّي رسول الله؟)) قالوا: نعم، قال: ((فإنَّ هذا القرآن طرفُه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسَّكوا به، فإنَّكم لن تضلُّوا ولن تهْلكوا بعده أبدًا))؛ رواه ابن حبَّان في صحيحِه.
إنَّ الإنسان يفقد أجلَّ خيريَّة في الإسلام إذا لم يقرأ ويتعلَّم القرآن؛ ((خيرُكم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه))؛ رواه البخاري.
¥