إذًا؛ كان القرآن بالنسبة للصَّحابة محورَ كلِّ شيء عندهم، ثمَّ أصبح القرآن منسيًّا عند الكثيرين من مسْلمي عصرنا، فلا بدَّ لنا من عودة حميدة للكتاب، يصلح بها آخرُنا كما صلح بها أوَّلُنا، وانظر هذا النَّصّ لتُدْرِك مقدار حِرْص الصَّحابة على الاشتِغال بالقرآن دون سواه؛ عن جابر بن عبدالله بن يسار قال: سمعتُ عليًّا يقول: "أعزِم على كلّ مَن عنده كتاب إلاَّ رجع فمحاه؛ فإنَّما هلك النَّاس حيث اتَّبعوا أحاديثَ علمائهم وتركوا كتاب ربِّهم".
فلا بدَّ أن يكون لنا ورْدُنا اليومي من كتاب الله، تلاوة في المصحف لِمَن لم يحفظ أو تلاوة من المحفوظ، وقد ذكر العلماء أنَّ القراءة من المصحف أعظم أجرًا، والحدّ المعتدل أن يختم القُرآن في الشَّهر مرَّة، فإن لم يكن ففِي كلّ أربعين يومًا، وفي ذلك ضمانُ حياة القلْب وضمان حياة المعاني الإسلاميَّة في أنفُسِنا [4] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/21219/#_ftn4#_ftn4).
2- التَّأمّل والتدبر أثناء القراءة:
مع الوقوف على كلّ عبرة ومعنى، كما أنَّه يفضل أن تكون القراءة في خلوة هادئة، ولاسيَّما خلوات اللَّيل، حيث يشفّ القلب، وتنكشف أغطية النَّفس، والله تعالى يقول: ? أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ? [محمد: 24]، ويقول سبحانه: ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ? [ص: 29].
إنَّ هذه القراءة على هذا النَّحو سبيلٌ لفتح أغلاق القلوب، وسطوع أنوار القرآن في آفاق النّفوس، وبهذا يحصل الانتِفاع الحقيقي بكتاب الله تعالى، قال ابنُ مسعود - رضِي الله عنْه -: "لا تهذّوا القُرآن هذّ الشِّعر، ولا تنثروه نثر الدَّقل، وقِفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة" [5] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/21219/#_ftn5#_ftn5).
ولننظُر إلى حال الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الَّذي قرأ القرآن أوَّلاً بتروٍّ وتدبُّر، حتَّى إنَّه وهو في صلاته إذا مرَّ بآية عذاب تعوَّذ، وإذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بآية فيها رحمة سأل الله من فضله، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يبكي من شدَّة تأثّره به وتأمّله لمعانيه، سواء من قراءتِه بنفسه أو سماعِه من غيره؛ فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقْرأ عليَّ)) قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك نَزَل؟ قال: ((نعم)) فقرأت سورة النساء إلى هذه الآية: ? فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا ? قال: ((حسْبُك الآن))، فالتفتُّ إليه فإذا عيْناه تذرفان؛ رواه البخاري ومسلم.
3 - استِشعار سماع القِراءة من الله تعالى:
وينبغي أن نقرأ القرآن كأنَّما نسمعه من الله - سبحانه وتعالى - وهذا أمر يكاد يكون من البدهيَّات التي نغفل عنها، فالقرآن كلام الله، خاطبَنا به، ووجَّهه إليْنا، وأبسط مقتضيات هذا، أن نُصغي إلى هذا المتكلّم العظيم، ونُحسن الاستِماع إليْه؛ ? وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ? [الأعراف: 204].
والإنصات إلى الله لا يكون بالأذُن، بل بالقلب وبوعْيِك كلّه، وهي منزلةٌ تقتضي من الإنسان مرانًا ورياضة وتدرُّجًا في مقاماتها الرَّفيعة [6] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/21219/#_ftn6#_ftn6)؛ ولهذا يقول ابنُ مسعود - رضي الله عنْه -: "إذا سمعتَ الله يقول: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ? فأصغ لها سمعك، فإنَّه خير تؤمر به، أو شرّ تصرف عنه".
4 - أن يكون غرض القراءة إعداد النفس للقاء الله - عزَّ وجلَّ -:
¥