وقد أفاد الطبري منهجيا من جهود سابقيه القائمة على أساس النزعتين الأثرية واللغوية، لتأصيل أول منهجية متكاملة في التفسير، من خلال الجمع بين الاتجاهين وإضافة استنباطاته وترجيحاته. ويعتبر كتابه "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" أول تفسير كامل للقرآن على أساس منهجي، وقد أملاه ابن جرير على تلاميذه من سنة 283 هـ إلى سنة 290، ثمَّ قُرئ عليه سنة 306.
تقوم منهجية الطبري في التفسير، والتي نقلت حركة التفسير من طور التأسيس إلى طور التأصيل، على أصول ثلاثة: اللغة، والأثر، والترجيح والاستنباط.
وقدَّمَ الطبريُّ لتفسيرِه بمقدمة علميَّة حشدَ فيها جملة من مسائل علوم القرآن، منها: اللغة التي نزل بها القرآن والأحرفُ السبعة، والمعربُ، وطرق التفسيرِ، وقد عنون لها بقوله: (القول في الوجوه التي من قِبَلِها يُوصلُ إلى معرفةِ تأويلِ القرآنِ)، وتأويل القرآنِ بالرأي، وذكر من تُقبل روايتهم، ومن لا تُقبل في التَّفسير.
ثمَّ ذكر القولَ في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه، ثمَّ القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب، ثمَّ القول في الاستعاذة، ثُمَّ القول في البسملة. ثمَّ ابتدأ التفسيرَ بسورة الفاتحة، حتى ختم تفسيرَه بسورةِ النَّاسِ.
وتتميز منهجية الطبري في التفسير بما يلي (12):
- اعتمد أقوال الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ولم يكن له ترتيب معيَّن يسير عليه في ذكر أقوالهم.
- لم يخرج في ترجيحاته عن قول هذه الطبقات الثلاث إلا نادرًا. وكان شرطه في كتابه أن لا يخرج المفسر عن أقوال هذه الطبقات الثلاث.
- يؤخر أقوال أهل اللغة، ويجعلها بعد أقوال السلف، وأحيانًا بعد ترجيحه بين أقوال السلف.
- غالب ما رواه عن أهل اللغة متعلق بالإعراب.
- اعتمد النظر إلى صحة المعنى المفسَّر به، وإلى تلاؤمه مع السياق، وكان هذا هو منهجَه العام في التفسير، وكان يعتمد على صحة المعنى في الترجيح بين الأقوال.
- كان يُجزِّئ الآيةَ التي يريد تفسيرَها إلى أجزاء، فيفسّر كل جزء على حدة. وإذا وجد خلافا في تفسيره، ذكر الخلاف ثم ترجيحه. وبعد ذلك يذكر المعنى العام.
- إذا لم يكن هناك خلاف بين المفسرين السابقين، فسَّر إجمالا، ثم قال: (وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).
- إذا كان بين المفسرين السابقين خلاف، ذكر التفسير الجملي، ثم نص على وجود الخلاف، كقوله: (واختلفَ أهلُ التَّأويلِ في تأويلِ ذلكَ، فقال بعضهم فيه نحوَ الذي قلنا فيه). وقد يذكر اختلاف أهل التأويل بعد المقطع المفسَّرِ مباشرةً، ثمَّ يذكر التفسير الجملي أثناء ترجيحه.
- من عادته في ذكر مختلف الأقوال أن يقول: (فقال بعضهم ... )، ثمَّ يقول: (ذِكْر من قال ذلك ... )، ثمَّ يذكر أقوالهم مسندًا إليهم بما وصله عنهم من أسانيد. ثمَّ يقول: (وقال غيرهم ... )، (وقال آخرون ... )، ثمَّ يذكر أقوالهم. فإذا انتهى من عرض أقوالِهم، رجَّحَ ما يراه صوابًا، وغالبًا ما تكون عبارته: (قال أبو جعفر: والقول الذي هو عندي أولى بالصواب، قول من قال ... )، أو يذكر عبارة مقاربةً لها، ثمَّ يذكر ترجيحَه، ومستندَه في الترجيحِ، وغالبًا ما يكون مستندُه قاعدةً علميَّة ترجيحيَّةً. وهذا مما تميَّزَ به في تفسيرِه.
- أورد بعض مرويات بني إسرائيل.
3 - طور التفريع والتطبيقات:
امتد هذا الطور من القرن الرابع إلى القرن الرابع عشر للهجرة. وتميزت هذه الفترة بظهور عشرات التفاسير المختلفة في المنهج.
ويعود التنوع الكبير في محتوى تفاسير هذه الحقبة التاريخية أساسا للتوسع في مختلف المسائل وإضافة معارف أخرى، بحيث لم تكن كتبا خالصة للتفسير. ولو جُرِّدَ التفسير من كثيرٍ من هذه المعلومات، لتقاربتْ مناهجُ المفسِّرين، ولكان جلُّ الخلافِ بينهم في وجوهِ التَّفسيرِ، وترجيحِ أقوالِ المتقدِّمينَ. فقد جمعت بين المسائل التالية:
1 - تفسير القرآن (أي: بيانه بيانا مباشرا)،
2 - معلومات تفيدُ في تقوية بيان المعنى، وليست من جوهر التفسير، أن غيابها لا تؤثر على فهم المعنى،
3 - استنباطات عامة، في الآداب والفقه وغير ذلك،
4 - لطائفُ ومُلَحٌ تفسيريَّة (13)،
5 - مسائل متعلقة بعلوم القرآن،
¥