تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

6 - مسائل أخرى من شتَّى المعارف الإسلاميَّة وغيرِها، يغلب عليها عدم وجود صلة بينها وبين علم التفسير. غير أن المفسر يذكرها لكونه ممن برز في علم من هذه العلوم، فيحشو تفسيره به. فترى الفقيه يورد مسائل علم الفقه، والنَّحويَّ يورد مسائلَ علم النَّحو، والمتكلِّم يوردُ مسائلَ علم الكلام، وهكذا.

وبسبب تعدد العلوم والمعارف، وتنوع الفرق والمذاهب، واختلاط العرب بثقافات أقوام أخرى داخلة في الإسلام، بدأت تبرز تدريحيا نزعة عقلية في التفسير متحررة من الاعتماد المطلق على اللغة والأثر. فظهرت تفاسير تذكر أوجها تفسيريَّة جديدة مختلفة عمَّا ورد عن السلف، فركّز بعضها على الاستنباطات الفقهيَّةِ أو الأدبيَّةِ، واتخذ البعض أسلوب المتكلمين في الاستدلال للمسائل العقدية، وظهرت التفاسير الصوفية قائمة على التأويل العرفاني، إلى غير ذلك. ومن أمثلة التفاسير التي اشتهرت في طور التفريع: تفسير "الجامع لأحكام القرآن" لكلّ من القرطبي والجصّاص، وتفسير "مفاتح الغيب" للفخر الرازي.

4 - طور التجديد:

بدأ هذا الطور مع بداية القرن الرابع عشر للهجرة (القرن العشرين الميلادي)، نتيجة تواصل المسلمين بالحضارة الغربية، والنقاش الذي شهده جامع الأزهر حول مناهج التدريس والحاجة للتجديد، والذي ترجم إلى صدام بين الداعين للتغيير والرافضين له على أساس الارتياب في أن تكون مطالب التغيير جاءت لخدمة مصالح استعمارية خفية.

وبالرغم من هذه المعارضة الشديدة، بدأ الشيخ محمد عبده (ت: 1323 هـ/1905 م) في إلقاء سلسلة من المحاضرات في التفسير، وأملى فيها تفسيرا جزئيا، ضمنه فيما بعد تلميذه محمد رشيد رضا (ت: 1354 هـ/1935 م)، في كتابه "تفسير القرآن الحكيم" المشهور بتفسير المنار، الذي جاء بمنهجية مختلفة عما سبق في كتب التفسير، وأحدث مع بعض التفاسير التي تلته تجديدا في تفسير القرآن والتعامل معه، غيّر النظرة التقليدية التي طغت طيلة القرون السابقة.

يقوم المنهج التجديدي لمحمد عبده في التفسير على أساس اعتبار القرآن "كتاب هداية". وعلى هذا، جاء انتقاده الشديد لمناهج وأدوات التفسير السابقة والتي كانت تركز على القضايا الكلامية والبلاغية، واصفا منهج التفسير القائم عليها بالجفاف والإغراق في قضايا بعيدة عن مقاصد القرآن. ولبيان هذا الموقف، ننقل كلام محمد عبده كما أورده رشيد رضا، حيث ذكر أن التفسير قسمان (14):

" (أحدهما) جافٌ مبعدٌ عن الله وعن كتابه، وهو ما يقصد به حل الألفاظ وإعراب الجمل وبيان ما ترمي إليه تلك العبارات والإشارات من النكت الفنية، وهذا لا ينبغي أن يسمى تفسيرا، وإنما هو ضرب من التمرين في الفنون كالنحو والمعاني وغيرهما.

و (ثانيهما) وهو التفسير الذي قلنا إنه يجب على الناس على أنه فرض كفاية، هو الذي يستجمع تلك الشروط لأجل أن تستعمل لغايتها، وهو ذهاب المفسر إلى فهم المراد من القول، وحكمة التشريع في العقائد والأحكام، على الوجه الذي يجذب الأرواح، ويسوقها إلى العمل والهداية المودعة في الكلام ليتحقق فيه معنى قوله (هدى ورحمة) ونحوهما من الأوصاف. فالمقصد الحقيقي وراء كل تلك الشروط والفنون: هو الاهتداء بالقرآن. قال الأستاذ الإمام: وهذا هو الغرض الأول الذي أرمي إليه في قراءة التفسير".

وعلى هذا الأساس، وصف رشيد رضا تفسير أستاذه قائلا: "هذا هو التفسير الوحيد الجامع بين صحيح المأثور وصريح المعقول، الذي يبيّن حِكَم التشريع، وسننَ الله في الكون، وكونَ القرآن هدايةً للبشر في كل زمان ومكان، ويوازن بين هدايته وما عليه المسلمون في هذا العصر وقد أعرضوا عنها، وما كان عليه سلفهم المعتصمون بحبلها، مراعى فيه السهولة في التعبير، مجتنبًا مزجَ الكلام باصطلاحات العلوم والفنون، بحيث يفهمه العامةُ، ولا يستغني عنه الخاصة" (15).

وكان من آثار جهود محمد عبده وتلميذه رشيد رضا التجديدية في التفسير والتعامل مع القرآن، أن نشأت حركة إصلاحية كبيرة في العالم العربي تركت آثارا ملحوظة في فهم القرآن والإسلام، ونتج عنها تأسيس ما يعرف بالعمل الحركي الدعوي، ونشوء طبقة واسعة من العلماء والدعاة المنخرطين فيه. وقد كان من أثر ذلك تأليف تفسير سيد قطب (ت: 1965م) "في ظلال القرآن"، والذي بناه بشكل فريد على نظرية (التصوير الفني في القرآن).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير