وشهدت هذه الفترة التاريخية أيضا نشوء اتجاه أدبي في التفسير، متمثلة في مدرسة أمين الخولي، والتأصيل لنظرية التفسير البياني للقرآن. ثم تلى ذلك ظهور فن جديد في التفسير سمي بالتفسير الموضوعي، مثّل نمطاً منالاستجابة للتطورات الحديثة التي استجدت في حياة المسلمين، باعتبارهمنهجاً يساعد المفسر على استجلاء نظريات القرآن وقواعده في شتى شؤون الفكروالحياة. وقد مثلت مدرسة المنار والمدرسة الإصلاحية، والاتجاه الأدبي في التفسير، أهم الحواضن للتفسير الموضوعي.
وعلى الرغم من نقص التأصيل والضبط المنهجي لهذا الفن من التفسير، يمكن القول إن التفسير الموضوعي شكّل بداية لنقلة هامة في دراسة القرآن من مستوى التفسير النصي إلى مستوى تحليل الخطاب، وهو ما يجعله قادرا على تشكيل أرضية متينة للدرس القرآني المعاصر، وذلك من خلال تطوير الأدوات المنهجية وربطها بالعلوم اللسانية، والتي يمكن من خلالها الكشف عن بنية القرآن ومفاهيمه ونظرياته وأحكامه، بطريقة أشد تماسكا.
الحواشي:
1 - يدور معنى (فَسَرَ) في لغة العرب على معنى البيانِ والكشفِ والوضوحِ. ويقصد بالتفسير اصطلاحا: بيان المعنى الَّذي أرادَه اللهُ بكلامِه.
2 - الخالدي، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، ص 35.
3 - السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، طبعة البغا (2/ 1227).
4 - كمثال على ذلك، نقل الزرقاني في مناهل العرفان (ص 2/ 26) عن الإمام الشافعي قوله: "لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث".
5 - أشار ابن تيمية في (مقدمة في أصول التفسير) إلى أن اختلاف تفسير الصحابة كان في أغلبه اختلاف تنوع في التعبير، وليس اختلاف تضاد في المعنى، كتفسير بعضهم للصراط المستقيم بالقرآن، والبعض الآخر بالإسلام، وآخرين بطاعة الله ورسوله. وهي معان متقاربة ومؤداها واحد تقريبا.
6 - الذهبي، التفسير والمفسرون، ص 78 - 86.
7 - المرجع السابق، ص 86 - 88.
8 - المرجع السابق، ص 88 - 95.
9 - مع نهاية العهد الأموي وبداية العهد العباسي (في القرن الثاني للهجرة)، اتسع نطاق الاهتمام بالقراءات القرآنية ومصادرها وأسانيدها ليمد حركة التفسير بأدوات جديدة.
10 - الخالدي، تعريف الدراسين بمناهج المفسرين، ص 38.
11 - Andrew Rippin. 'Tafsir', in Mircea Eliade (ed.). The Encyclopedia of Religion, New York: Macmillan, 1987, pp.236-244
12- الطيار، "ملخص في منهج الطبري في تفسيره". مقالة منشورة في ملتقى أهل التفسير.
13 - كمثال على ذلك، ذكر ابن عطيَّة في المحرر الوجيز، ط: قطر (1: 82) موقع هذه المُلَح من العلم، فقال: "وهذا من ملحِ التَّفسير، وليس من متين العلم".
14 - رضا، تفسير المنار، ص 24.
15 - المرجع السابق، صفحة الغلاف.
مراجع البحث:
1 - ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم، "مقدمة في أصول التفسير"، نسخة إلكترونية على الإنترنت.
2 - ابن عطيَّة الأندلسي، عبد الحق، "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، ط 1، وزارة الأوقاف والشئونالإسلامية بدولة قطر، 1398هـ.
3 - الخالدي، صلاح الدين، "تعريف الدراسين بمناهج المفسرين"، ط 3، دار القلم دمشق 1429 هـ.
4 - الذهبي، محمد حسين، "التفسير والمفسرون"، مكتبة وهبة.
5 - الزرقاني، محمد عبدالعظيم، "مناهل العرفان"، ط 1 دار الفكر دمشق، 1996.
6 - السيوطي، جلال الدين، "الإتقان في علوم القرآن"، دار ابن كثير دمشق 1407هـ، تحقيق مصطفى ديب البغا.
7 - الطيار، مساعد، "ملخص في منهج الطبري في تفسيره"، مقال منشور في ملتقى أهل التفسير: http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=95 (http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=95)
8- رضا، محمد رشيد، "تفسير القرآن الحكيم المشتهر باسم تفسير المنار"، ط 2، دار المنار القاهرة، 1366 هـ/1947م.
9 - Andrew Rippin. 'Tafsir', in Mircea Eliade (ed.). The Encyclopedia of Religion, New York: Macmillan, 1987, pp.236-244
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 Jul 2010, 11:19 ص]ـ
أشكر أخي محمد بن جماعة على هذا المقال الموفق الذي حاول من خلاله تلخيص مسيرة تفسير القرآن الكريم خلال القرون الخمسة عشر الماضية منذ نزول القرآن الكريم حتى اليوم، وقد نجح في تصوير معالم هذه المسيرة، واجتهد في تقسيمها إلى مراحل مع ما في ذلك من الصعوبة لتداخل هذه المراحل فيما بينها.
¥