تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويُمكنني - بعد القراءة المتأنية المكررة - التعليق على هذه المقالة في النقاط التالية رغبةً في تطويرها وتقويمها:

1 - نُخطئُ عندما نظنُّ أنَّ العلوم التي عُنيت ببيان معاني القرآن هي كتب التفسير بالمعنى الاصطلاحي فقط، ولذلك نتهم المفسرين بأنهم أغفلوا كذا ولم يتنبهوا لكذا. والذي أراه أنَّ بيان معاني القرآن الكريم مشروعٌ تقاسَمه علماءُ الأمةِ بحسب تخصصاتهم، وخدموه من زوايا مختلفةٍ تكاملت مع كتب التفسير في بيان المعاني الدقيقة للقرآن الكريم، فعلماء الفقه خدموا القرآن الكريم بفهمهم الدقيق لأدلة الأحكام منه، وبالغوا في تتبع جزئياتها، وأكمل فقهَهُم للقرآن مَنْ صنَّفَ في آيات الأحكام بعد ذلك من المفسرين والفقهاء، والفقهاء والأصوليون كلهم كانوا ينطلقون من القرآن ويدورون حوله، وليس هناك فقيهٌ في الإسلام لم يتخذ القرآن أساساً لفقهه قط، لا أصحابُ الحديث ولا أصحابُ الرأي ولا غيرهم. وقل مثلَ ذلك في علماء العقيدة ومسائلها فقد فسروا آيات العقيدة في القرآن وخدموها خدمةً جليلةً ودقَّقوا في أوجه الاستدلال بهذه الآيات حتى أصبحت في غاية الوضوح، ومَن توسَّعَ من المفسرين في بيان آياتِ الاعتقاد فهو يُسدِّدُ جُهودَ عُلماء الاعتقاد ويساندُها في فهم تلك الآيات، والقليلُ من المفسرين مَنْ يتوسَّعُ في بيان الآيات الفقهية العمليَّةِ اكتفاءً بعمل الفقهاء الذين قد يكون هو نفسه منهم، وله تصانيف في الفقه. وعلماء الأصول بنوا أدلتهم في مجملها على القرآن كمصدر أول للأدلة وكم لهم من القواعد والأصول في فهم القرآن كان المفسرون عالةً عليهم فيها بعد ذلك، وعلماء البلاغة بنوا علم البلاغة على القرآن وأساليب البيان فيه، ومثلهم علماء النحو، فكانت كتب البلاغة والنحو خادمة للغة القرآن، وتفسيراً له من زاوية لغوية.

فإذا نحن نظرنا إلى هذه الجهود نظرة شاملة ألفيناها كلَّها نشأت ودارت وخدمت القرآن الكريم، وتأتي كتب التفسير لتكون ضمن هذه المنظومة المتكاملة من الجهود في بيان معاني القرآن، وليست مستقلةً بفهمِ القرآنِ وخدمته، ولذلك فلا غرابة أن يقع التفاوت بين كتب التفسير طولاً وقصراً ومنهجاً.

ولكنَّ النظر إلى الكتب التي عنون لها مؤلفوها بـ (تفسير القرآن) أي التفسير بالمعنى الاصطلاحي تَجعلُنا نتهم أجيالاً بالتقصير في التفسير أو في التأليف فيه أو في التجديد في جوانبه، ونقصر خدمة القرآن تفسيراً وبياناً لمعانيه على هذه الكتب وحدها، وهذا لا يمثل الحقيقة كاملةً.

2 - في المقال محاولةٌ جيدةٌ لتقسيم مراحل التطور التاريخي لحركة التفسير على أطوار يفترض القارئ لها أنها أطوار منفصلة محددة المعالم، وهذه المسألةُ صعبةٌ للغاية على الباحث للحاجة الماسة إلى استعراض كُلِّ الجهود أو أبرزها لتحديد المعالم الرئيسية التي يُمكنُ أن تشكل بِمجموعها مرحلةً تاريخيةً لعلمٍ من العلوم. فمرحلة التأسيسِ -مثلاً- يُمكنُ رصدُها بسهولةٍ لطبيعة البدايات وبساطتها، غير أن مرحلة التأصيل التي مثَّلَ الباحثُ لها بالإمام الطبري واكتفى بهِ وكأَنَّهُ وحدَه الذي مثَّلَ هذه المرحلة فيه نوعٌ من الاختزال للمرحلة.

ومرحلةُ التأصيل مرحلةٌ أوسع من الطبري وعصره، ويصعب جداً أن يستقل بها شخص واحد مهما أوتي من علم، وقد سَبَقَ إلى تأصيلِ كثيرٍ من مسائلِ التفسير الصحابةُ والتابعون وأتباعهم، والأئمة الكبار كأبي حنيفة والشافعي وغيرهم، ولذلك كان الطبري في تفسيره يبني على أُصولٍ مُقررةٍ معروفةٍ، والذين كتبوا في أُصولِ التفسير عند الطبري وجدوهُ لا يكاد يأتي بجديد في هذا الجانب إلا الإبراز والتدوين لها والتطبيق أيضاً. أضف إلى ذلك سلامة كتابه من الضياع ووصوله إلينا، ولو وصلتنا كتب المرحلة التي سبقته وافية لوصلنا الكثير من الجهود التفسيرية. ويُمكن التمثيل بتفسير مقاتل بن سليمان (ت150هـ) و يحيى بن سلام البصري (ت200هـ) لتفاسير اشتملت على الكثير من التأصيل والتقعيد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير