تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك فإنني أقترح أن يعدل أخي العزيز محمد بن جماعة قوله عن الإمام الطبري: (باعتباره أول من أصّل لعلم التفسير وأرسى أسسَه وقواعدَه، وأيضا باعتباره أول من فسّر القرآن آيةً آية وجملةً جملة، وذلك في نهاية القرن الثالث للهجرة) إلى: (باعتباره مِنْ أول من أصّل لعلم التفسير وأرسى أسسَه وقواعدَه ... الخ) ليكون هذا أدق في التعبير عن هذه المرحلة، وأتفق مع الباحث أن تفسير الطبري ومنهجيته الفريدة الواضحة المستقرة من أول التفسير إلى آخره بوأته هذه المكانة بكل جدارة رحمه الله وغفر له.

ثم مسألة أخرى تتعلق بطور التأصيل، وهي إغفال جهود المفسرين الذين تلوا الإمام الطبري مثل ابن عطية وابن كثير والزمخشري غيرهم من المفسرين الكبار في مرحلة التأصيل، فقد كان لهؤلاء المفسرين الكبار دورٌ بارز في التأصيل لعلم التفسير، وإبراز أصول مهمةٍ للتفسير لم يتنبه لها من سبقهم، وكأني لمستُ من المقال اعتبار جهود أمثال هؤلاء داخلة في مرحلة (التفريعات والتطبيقات)، وقد كان للزمخشري خصوصاً دور رائع في إبراز الكثير من أصول النظر البلاغي لآيات القرآن الكريم لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال، ولا اعتبارها مجرد تطبيقات وتفريعات لأصول السابقين.

3 - ذكر أخي محمد بن جماعة وهو يعدد معالم منهج الإمام الطبري في تفسيره أن (غالب ما رواه عن أهل اللغة متعلق بالإعراب)، وهذا قد يكون فيه شيء من الصواب، ولكنَّ ما نقله عن أهل اللغة من بيان معاني المفردات أكثر مما نقله من بيان التراكيب ودلالاتها، وقد قرأتُ التفسير ولله الحمد عدة مرات ورأيتُ عناية كبيرة ظاهرة بالمفردات وبيانها، وقد أفردها بعض الباحثين فجاءت في مجلدين وفاته الكثير، وأشار إلى هذا من درسوا منهجه في النحو كالدكتور صالح الفراج في رسالته (الطبري ومنهجه في النحو)، وهو يعتمد على الفراء والأخفش الأوسط في المسائل النحوية كثيراً وله اجتهاداته التي لا تنكر ويغلب عليه الجانب الكوفي لكثرة استخدامه لمصطلحاتهم. وقد أضاف الطبري الكثير من البيان العالي المفصل للمفردات اللغوية أضاف به ثروة مشكورة على ما نقله عن أهل اللغة قبله، وكنتُ ولا زلتُ أتعجب من الإمام الطبري وإغفاله لذكر شيخه في اللغة والنحو أحمد بن يحيى الشيباني المشهور بثعلب في تفسيره، ثم ذكر لي بعض الأصدقاء قريباً أنه قد يكون من أسباب ذلك أن الإمام ثعلب كان ينتمي إلى الحنابلة، وأن الطبري أملى كتابه التفسير في بغداد في وسط معاركه مع الحنابلة، فقد يكون أغفل ذكره لهذا والله أعلم، والمسألة بحاجة إلى بحث.

4 - طوى الباحث تحت جناحي الطور الثالث (طور التفريع والتطبيقات) الكثير من الجهود التأصيلية في التفسير كما تقدم، وأعتقد أن هذا الطور بحاجة إلى مراجعة وإعادة بناء، حيث إن الجهود التي طويت تحته لم تكن مجرد تفريع وتطبيق.

5 - وصف الطور الرابع بأنه (طور التجديد) يشعر القارئ أن هذا أفضل الأطوار الأربعة، وأنه الطور الوحيد الذي تنبه الناس فيه إلى أنَّ القرآن كتاب هداية، وهذا فيه ظلمٌ للقرون السابقة، حيث إنه يفترض القارئ أن القرون السابقة لم تُحسنِ التعامل مع القرآن على أنه كتاب هداية، وإنَّما غَفلت عن ذلك تَماماً حتى جاء الشيخ محمد عبده رحمه الله فنبه الأمة إلى ذلك، ولو رجعنا إلى جهود قديمة مثل جهود ابن القيم على سبيل المثال وجهود شيخه ابن تيمية لوجدنا هذا النَّفَسَ ظاهراً في كتبهم التي تناولت آيات القرآن، وفيه دعوة واضحة للعودة للقرآن على أنه كتاب هداية، ولكن هذا لم يستقل به علم التفسير وإنما تعاونت عليه كتب الوعظ والرقائق وغيرها ومستندها في ذلك كله هو القرآن الكريم. ولذلك وقع الخلاف اليوم بين بعض الباحثين حول ما كتبه سيد قطب رحمه الله ومدى دخوله في التفسير الاصطلاحي، أو أنه تأملات إيمانية وخواطر، بل حتى سيد قطب نفسه قال في مقدمته للتفسير: (هذه بعض الخواطر والانطباعات من فترة الحياة في ظلال القرآن)، مما يوحي بخروج هذا الأسلوب عن مصطلح التفسير، فأدعو الباحث والباحثين في التفسير وتاريخه إلى مراجعة هذه التسمية، ومحاولة البحث عن بديل عن هذا التقسيم، بحيث إنها لا تكاد تخلو مرحلة من مراحل التفسير من تجديد وتطوير في جانب من جوانبه، وأنها ليست المرحلة الأخيرة هي المرحلة التي استحوذت على هذا الوصف دون غيرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير