[هل زيادة المبنى تدل دائما على زيادة المعنى؟]
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 03:12 ص]ـ
نعلم أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى, فالدلالة المعنوية للكلمة (اصطبر) على سبيل المثال, أزيد من تلك تعطيها الكلمة (صبر) وهكذا.
لكن السؤال الذي نود طرحه, هل هذه القاعدة مضطردة دون وجود استثناء, أم أنه توجد استثناءات من هذه القاعدة؟
تأموا هذه الشواهد القرآنية:
{وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} مريم: 50
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} الشعراء 84
ما ذا لو كان السياق بهذا الشكل: واجعل لي لسانا صادقا في الآخرين.
مجيء الوصف بالمصدر أفاد المبالغة الوصف بالمصدر، أي المبالغة في الصدق.
إنه معروف لدى علماء اللغة أن الوصف بالاسم أضعف من الوصف بالمصدر, وفي هذا الشاهد فإن الدلالة المعنوية للمفردة صدق, أقوى من تلك التي للمفردة صادق, أي أن الزيادة في المبنى في هذا المورد - لا تفيد الزيادة في المعنى, بل العكس صحيح, وهو القلة في المبنى - إن صح التعبير - تفيد الزيادة في المعنى.
الشاهد الثاني:
{وجاءوا على قميصه بدم كذب}
ما ذا لو كان السياق: وجاءوا على قميصه بدم مكذوب.
الوصف بالمصد (كذب) يعطي قوة في المعنى أقوى من تلك التي تعطيها المفردة (مكذوب).
إن الاستعمال القرآني للمصدر (كذب) نعتاً للدم هو على سبيل المبالغة والاتساع, فالروايات الوارة في قصة يوسف, تشير إلى القميص في منظره لا يدل على صدق ادعاء أخوة يوسف (ع) وكذلك الدم في النظر إليه وقتها لا يدل على صدق ادعائهم, حيث أشارت كتب التفاسير أن أخوة يوسف (ع) ولشدة هولهم لم يقوموا بتمزيق القميص الملطخ بالدم ليدل على هجوم الذئب ... حيث قدّموا قميص يوسف (ع) سالمًا غير مخرق ولذا كان ذلك مثار استغراب نبي الله يعقوب (ع) كيف للذئب أن يأكل بشرًا دون أن يمزق قميصه، هذا فضلاً عن أن الدم المستعان به في تلطيخ القميص هو دم حيوان - دم غزال أوخروف أو تيس على اختلاف الروايات - , حيث جاء في بعض الرّوايات أنّ يعقوب أخذ قميص يوسف وهو يقلّبه ويقول: «ما آرى أثر ناب ولا ظفر إنّ هذا السبع رحيم» , وهذه الدلالة وغيرها عن تشير إلى زيف وكذب ادعائهم وكأن الناظر إلى هذا الدم لا يرى دمًا بل يرى كذبًا بأجلى معانيه.
فالكذب هنا أفادت قوة معنوية دم كاذب بين الكذب, وهذا ما تقصره المفردة (كاذب) في إعطائه بهذه القوة, لذا فإن زيادة المبنى - هنا - لا تفيد زيادة المعنى, والعكس صحيحة, فاللفظ (كذب) ذو الحروف الثلاثة أفاد زيادة في المعنى أكثر من تلك التي يعطيها اللفظ (كاذب) ذو الحروف الأربعة.
قال الزمخشري في الكشاف:
" {بِدَمٍ كَذِبٍ} ذي كذب. أو وصف بالمصدر مبالغة، كأنه نفس الكذب وعينه، كما يقال للكذاب: هو الكذب بعينه. "
الشاهد الثالث:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}. الملك: 30
قارنوا بين هذه الأية وبين هذا السياق: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غائرا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ
أصل الغور: ذهاب الماء في الأرض، مصدر غار الماء إذا ذهب في الأرض.
إتيان القرآن بهذه المفردة - غورا - هي من باب الوصف بالمصدر للمبالغة, فالدلالة المعنوية لـ غور - في هذا المورد - أقوى من تلك التي للمفردة (غائر).
الشاهد الرابع:
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]
بخس, مصدر أريد به اسم المفعول أي مبخوس, وجيء به للمبالغة في الوصف, وهو شاهد آخر على أن زيادة المبنى - لا تفيد دائما - الزيادة في المعنى.
هذه أمثلة للإيضاح , وفي القرآن الكريم والتراث كثير من الشواهد الأخرى, على ذلك.
وخلاصة القول أن الزيادة في المبنى و إن كانت تفيد الزيادة في المعنى في الغالب, إلا أنها لا تفيد ذلك في كل الأحول.
ـ[ابن بريدة]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 03:19 ص]ـ
دمتَ موفقًا دكتورنا الكريم،،
تشكر على هذه اللفتات القرآنية المنتقاة.
سدد الله خطاك،،
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[04 - 08 - 2008, 03:25 ص]ـ
وخلاصة القول أن الزيادة في المبنى و إن كانت تفيد الزيادة في المعنى في الغالب, إلا أنها لا تفيد ذلك في كل الأحول.
سلام عليك - د. حجي - ورحمة الله وبركاته ... وماذا نملك بعد الدليل والبرهان، وهذا التحليل والاستنباط الرائع. ماشاء الله تبارك الله؟!
ـ[غاية المنى]ــــــــ[05 - 08 - 2008, 10:44 م]ـ
لكن في رأيي هذا يصدق على كلام العرب وشعرها وخطبها أما على القرآن فلا، فإن عجزنا عن اكتشاف معنى الزيادة فليس معنى هذا أن الزيادة لم تفد شيئا فهذا محال في كتاب الله عز وجل الذي تحدى به العرف بفصاحتهم وبلاغتهم.