[ليس كمثله شيء]
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[04 - 09 - 2008, 10:20 م]ـ
قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [11 - الشورى].
وقد أشكل دخول الكاف على (مثله) بعض الإشكال؛ فاختلف اللغويون والمفسرون في ذلك. ومرد الاختلاف في هذا وفي غيره راجع إلى الاختلاف في النظر إلى لغة القرآن الكريم نفسها. فمنهم من يأخذ بالظاهر ويراها لغة إشارية بحته-ولذلك نجد منهم من أنكر المجاز- ومنهم من يرى لغة القرآن لغة عربية بكل ما للعربية من سمات وطرائق تعبير قد تكون خافية على قليل النظر في لغة العرب. وفي هذا المثال الذي بين أيدينا نجد من ذهب إلى زيادة الكاف، قال العكبري: "والكاف في (كمثله) زائدة؛ أي ليس مثله شيء، ولو لم تكن زائدة لأفضى إلى المحال؛ إذ كان يكون المعنى أن له مثلا؛ وليس لمثله مثل، وفي ذلك تناقض؛ لأنه إذا كان له مثل فمثله مثل، وهو هو مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال. وقيل مثل زائدة، والتقدير ليس كهو شيء" (1).
وهناك من يرى أن هذا التركيب موافق لطريقة العرب في تعبيرها؛ ذلك أن العرب يريدون المبالغة في نفي الوصف عن الشخص؛ ولذلك ينفونه في كلامهم عن مثله، وهذا يعني أن الصفة إذا نفيت عن مثله فهي منفية عنه من باب أولى، قال أبوحيان: "تقول العرب: (مثلك لا يفعل كذا) يريدون به المخاطب، كأنهم إذا نفوا الوصف عن مثل الشخص، كان نفيا عن الشخص. وهو من باب المبالغة. ومثل الآية قول أوس بن حجر:
ليس كمثل الفتى زهير ... خلق يوازيه في الفضائل
وقال آخر:
وقتلى كمثل جذوع النخيل ... تغشاهم مسبل منهمر
وقال آخر:
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ... ما إن كمثلهم في الناس من أحد
فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء" (2).
قال ابن قتيبة: "أي: ليس كهو شيء. والعرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا؛ أي أنا لا يقال لي" (3).
وهذا الاستخدام له نظير في العربية، قال أبو حيان: "ونظير نسبة المثل إلى من لا مثل له قولك: فلان يده مبسوطة. يريد أنه جواد ولا نظر له في الحقيقة إلى اليد… فكما جعلت ذلك كناية عن الجود… فكذلك جعلت المثل كناية عن الذات في من لا مثل له" (4).
وأنكر أبو حيان على المفسرين جعلهم (الكاف) و (المثل) مرادًا بهما موضوعهما الحقيقي، ووصف ذلك بأنه محال؛ لأن فيه إثبات مثل لله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العكبري، التبيان في إعراب القرآن، 2: 1131.
(2) أبوحيان، البحر المحيط، 7: 489.
(3) ابن قتيبة، غريب القرآن، 391.
(4) أبوحيان، البحر المحيط، 7: 489.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[04 - 09 - 2008, 10:59 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي أ. د. أبي أوس على المعلومة اللطيفة.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[04 - 09 - 2008, 11:26 م]ـ
نفيد من مشاركاتكم يا دكتور جزاكم الله خيرًا.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[04 - 09 - 2008, 11:57 م]ـ
أخي أحمد أخي عبد العزيز
لا حرمني الله من دعائكما ودعمكما. فاسلما.
ـ[الأحمر]ــــــــ[05 - 09 - 2008, 12:43 ص]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ما زلت أنهل من معينك يا دكتورنا أبا أوس
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[05 - 09 - 2008, 01:30 ص]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ما زلت أنهل من معينك يا دكتورنا أبا أوس
بوركت أخي الأخفش
كلماتك الطيبة تسعدني وكرمك سابغ.
ـ[أبوزيد الهلالي]ــــــــ[05 - 09 - 2008, 02:31 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أستاذي الكريم:
نقل إليَّ أحدُ الفضلاء حديثاً للشيخ الشعرواي عن هذه الآية حيث يقول - رحمه الله -: (الكاف في العربية للتشبيه، ومثل للند، فلو قال تعالى: (مثل) -فقط -، لقال الأعداءُ للقرآن: (ليس لله شبيه، ولكن له مثيل) _ تعالى ربنا عن ذلك -، فجاءت الكاف والمثل لسد الطرق عليهم لكلا الحالتين)
وفي ذلك رد على من قال أن الكاف هنا زائدة فلا زيادة في القرآن الكريم والله أعلم.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[06 - 09 - 2008, 03:45 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أستاذي الكريم:
نقل إليَّ أحدُ الفضلاء حديثاً للشيخ الشعرواي عن هذه الآية حيث يقول - رحمه الله -: (الكاف في العربية للتشبيه، ومثل للند، فلو قال تعالى: (مثل) -فقط -، لقال الأعداءُ للقرآن: (ليس لله شبيه، ولكن له مثيل) _ تعالى ربنا عن ذلك -، فجاءت الكاف والمثل لسد الطرق عليهم لكلا الحالتين)
وفي ذلك رد على من قال أن الكاف هنا زائدة فلا زيادة في القرآن الكريم والله أعلم.
أخي أبا زيد الهلالي
أشكرك لهذه الإضافة ولم أطلع عليها من قبل والشيخ الشعراوي رحمه الله مشهور بنظراته الذكية.
أما الزيادة في اصطلاح النحويين فهي جزء من نظام اللغة التي نزل بها القرآن الكريم ففي قوله تعالى (أليس الله بأحكم الحاكمين) لا مفر من القول بزيادة الباء وإلا لزم أن يكون الجار والمجرور متعلقًا بمحذوف وهذا غير مناسب هنا، وإن كانت الزيادة مرغوب عنها في القرآن فهل القول بالحذف مقبول؟
¥