مطّرد
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 07:05 م]ـ
إن من الأخطاء التي يقع فيها بعض المثقفين وقد لا يسلم منها بعض اللغويين استخدام الفعل (اطّرد) وما اشتق منه. من ذلك ما جاء في شرح بائية ذي الرمة لأبي بكر أحمد بن محمد الصنوبري، قال في شرح قول ذي الرمة:
يحدو نحائضَ أشباهًا محملجةً وُرْقَ السرابيل في ألوانها خطبُ
"ويروى يتلو: أي يضطرد" (1). وفي الحاشية (4) قال المحقق: "المخطوط: مضطرد" (2). والخطأ في اعتقادي في الموضعين من المحقق/ محمود حلاوي.
ومن أخطاء المحققين ما نجده في كتاب المساعد على تسهيل الفوائد لبهاء الدين بن عقيل، فقد كتب النص هكذا: "والترخيم لغة: التسهيل، ومنه: صوت رخيم أي سهل ليّن؛ وقيل: الرأفة والإشفاق؛ واصطلاحا حذف آخر الاسم باضطراد" (3). والخطأ من المحقق: محمد كامل بركات.
ومثال ذلك ما نجد في النص التالي: "ويرى الشذوذيون أن اللغة فطرة إنسانية لا تتبع قواعد أو قوانين مضطردة. وقد حاول كرايتس إثبات ذلك فألف كتابا بيّن فيه كيف أن اللغة
تتميز بعدم الاضطراد إلى درجة يتعذر معها القول بأنها تخضع لقوانين أو نظم." (4).
وبلغ توهم وجود الضاد أن جعلت مادة للبحث الصوتي على نحو ما يفهم من هذا النص:"وتوجد في العربية بعض الكلمات التي تنتمي إلى هذا البناء وتتضح في أشكالها المختلفة مراحل هذا التطور، مثل كلمة (اطّرد) أو (اضطرد)، فبالرغم من أنها تستخدم بهذين الشكلين في مرحلة لغوية واحدة، فإن الشكل الأول يدل على المرحلة الأخيرة من تطور التماثل، بينما يشير الشكل الثاني إلى مرحلة (التقارب)." (5).
والخطأ كما ترى في كتابة (مطّردة) هكذا [مضطردة]، وكتابة (الاطّراد) هكذا [الاضطراد]. وهو استصحاب قياس غير موفق؛ إذ تُوُهِّم أنها مماثلِة للفعل المشهور (اضطرب)، الذي اسم الفاعل منه (مضطرب) والمصدر (الاضطراب). وهو فعل مجرده (ضرب)، أما الفعل (اطّرد) فمجرده الفعل (طرد)، وقد أخذ منه الفعل ببنائه على (افتعل)، والأصل أن يكون (اطترد)؛ ولكن هذه التاء تسمع طاء متى سبقت بحرف من حروف الإطباق الأربعة (ص، ض، ط، ظ)؛ إذ تكتسب منها الإطباق فتسمع طاء؛ لأن الفرق بين التاء والطاء الإطباق فقط، فتقول من (صبر): اصطبر، ومن (ضرب): اضطرب، ومن (طلع): [اططلع] أي: اطّلع، ومن (ظلم): اظطلم، وهذا شأن (طرد) تقول فيها: [اططرد] أي: اطّرد.
أما الدلالة التي يدلها هذا البناء -وليست في مجرده- فهي الدلالة الانعكاسية أي فعل الفاعل الفعل بنفسه؛ فكأن الفعل ينعكس على الفاعل فيفعل بنفسه؛ فقولك: اصطبرَ، أي: صبر نفسه، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [132 - طه]، وقولك: اضطرب، أي: ضرب بعضه بعضا، هذا أصل المعنى ثم ذهبت به الدلالات المجازية، وقولك: اطّلع، أي: اطلع نفسه، قال تعالى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [18 - الكهف]. أما قولك: اظطلمَ، أي: تكلّف حمل الظلم، فكأنه ظلم نفسه بذلك، قال زهير:
هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويُظلم أحيانا فيظّلمُ
وجاء في شرح ثعلب: "يُظلم أحيانا: يُطلب إليه في غير موضع الطلب فيحملُ ذلك لهم. وأصل الظلم كله: وضع الشيء في غير موضعه، ومنه (من أشبه أباه فما ظلم) أي فما وضع الشبه في غير موضعه" (6). أما (اطّرد) فمعناه طرد بعضه بعضا أي تتابع، فالمطّرد المتتابع على وتيرة واحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح بائية ذي الرمة: 55.
(2) ص83.
(3) المساعد ج2: 546.
(4) عبد الرحمن أيوب، اللغة والتطور، القاهرة، 1969: 11.
(5) فالح العجمي، أبعاد العربية:116.
(6) أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، شرح ديوان زهير بن أبي سُلمى: 153.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[24 - 08 - 2008, 07:40 م]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أسعدك الله يا شيخنا الأستاذ الدكتور - وأملأ بها فمي - أبا أوس الشمسان، ومن يقرأ:
أولا: نحن - والله - محظوظون بك، وإنه لمفخرة لنا وجودك معنا.
ثانيًا: معلومة جوهرية، واسمح لي بمداخلة من لسان العرب:
ثالثًا: أشكلت علي هذه المعلومة حين رجعت للسان، فمن فضلك أزل ِ الغموضَ في الأمر.
قال ابن منظور في مادة (طرد):
(ويقالُ طَردْتُ فلانًا فَذَهَبَ، ولا يقال: فاطَّرَدَ. قال الجوهري: لا يُقالُ مِن هذا انْفَعَلَ، ولا افْتَعَلَ إِلا في لغةٍ رديئةٍ).
وقال أيضًا:
(وبَعِيرٌ مُطَّرِدٌ وهو المتتابع في سيره ولا يَكْبو)
وقال أيضًا: (واطَّرَدَ الشيءُ تَبِعَ بعضُه بعضًا وجرى)
وقال أيضًا:
(واطَّرَدَتِ الأَشياءُ إِذا تَبِعَ بعضُها بعضًا. واطَّرَدَ الكلامُ إِذا تتابَع. واطَّرَدَ الماءُ إِذا تتابَع سَيَلانُه. قال قيس بن الخطيم:
َأتَعْرِفُ رَسْمًا كاطِّرادِ المَذاهِبِ؟
أَراد بالمَذاهب جلودًا مُذْهبَةً بخطوط يرى بعضها في إِثر بعض فكأَنها مُتَتابعَة)
وقال أيضًا:
(وفي حديث الإِسراء وإِذا نَهْران يَطَّرِدان أَي يَجْرِيان، وهما يَفْتَعِلان. وأَمرٌ مُطَّردٌ مستقيم على جهته)
* لسان العرب مادة (طرد) بتصرف.
جزاك الله عنا خيرًا يا دكتور.
مودتي وتقديري واعترافي بفضلك وعلمك وعلو قدرك.
¥