تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[يمكنك أن تفعل]

ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 09:34 م]ـ

ما معنى يمكنك أن تفعل كذا؟

وقبل أن نجيب السؤال نبدأ من الجذر وهو (ك/و/ن) الذي منه الفعل (كان) بمعنى حدث، ومنه أخذ (المكان) أي الموضع الذي يكون فيه الفاعل، ومن المكان أخذ الفعل (تمكّن)، قال الجوهري: "ولمّا كثر لزوم الميم تُوُهِّمَت أصلية فقيل تمكّن كما قالوا من المسكين تمسكن" (1).ولعل هذا ما جعله يعقد مادة أخرى هي (م/ك/ن) ويتحدث فيها عن الفعل (مكّن)، وإن كنا لا ندري ما ضرورة فصله هذا الفعل عن مادة (ك/و/ن) وجعله في تلك المادة على الرغم من أن بقية الحديث عن المادة لا صلة له بالفعل المذكور.

ومعنى الفعل (مكّن) أي جعل له مكانا، أما (تمكّن) فهو الفعل المطاوع على حد تعبير الصرفيين (مكّنته، فتمكّن) أو هو الفعل الانعكاسي عند غيرهم.

قال الجوهري: "مكّنه اللهُ من الشيء وأمكنه منه بمعنًى. واستمكن الرجل من الشيء وتمكّن منه بمعنًى. وفلان لا يمكنه النهوضُ، أي لا يقدر عليه" (2).

وقال ابن سيده: "وتمكّن من الشيء واستمكن ظفر" (3).

وقال أبو منصور: "أمكنني الأمر، يمكنني، فهو ممكن، ولا يقال أنا أمكنه بمعنى أستطيعه؛ ويقال: لا يُمكنك الصعودُ إلى هذا الجبل، ولا يقال أنت تُمكن الصعودَ إليه" (4).

وما لم يقله المعجميون هو أن هذا التركيب فيه حذف لا يستقيم المعنى إلا بتقديره، فالتركيب (لا يمكنه النهوض) أصله: لا يمكنه النهوضُ من نفسه، أي (من نفس النهوض)؛ فالفعل من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين أحدهما المفعول المباشر، والآخر تعدى إليه الفعل بحرف الجر، ولذلك فإن المثال الثاني (أمكنني الأمر) مؤلف من الفعل الذي اتصل به المفعول المباشر ثم الفاعل أما المجرور بحرف الجر فقد حذف هنا لدلالة التركيب عليه إذ هو الفاعل، والتقدير هو: أمكنني الأمر من نفسه، أي جعلني الأمر أتمكّن منه.

إذن معنى يمكنك أن تذهب: يمكنك الذهابُ، أي: يمكنك الذهابُ من نفسه فتستطيعه وتقدر عليه.

وقد استقر التركيب على هيئة واحدة رتبةً إذ يلي الفعل ضمير متصل هو المفعول به ثم اسم ظاهر هو الفاعل وهذا الفاعل مصدر صريح أو مؤوّل به.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحاح، (كون) 6: 2191.

(2) السابق، 6: 2205.

(3) المحكم، 7: 56.

(4) تهذب اللغة،10: 294.

ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 09:56 م]ـ

حدائق جميلة ينقلها إليها أبو أوس ... هتان من الشكر أستاذنا الكريم.

ـ[ضاد]ــــــــ[26 - 08 - 2008, 11:22 م]ـ

بارك الله فيك أستاذي الفاضل. هل لي أن أسأل عن الفرق بين الإمكان والقدرة؟

ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[27 - 08 - 2008, 01:45 ص]ـ

بارك الله فيك أستاذي الفاضل. هل لي أن أسأل عن الفرق بين الإمكان والقدرة؟

لك أخي ضاد أن تسأل فلعل أحد الزملاء يسعف بالجواب فلستُ أهله.

ـ[علي المعشي]ــــــــ[28 - 08 - 2008, 08:29 م]ـ

مرحبا أستاذي الكريم أ. د أبا أوس حفظه الله ونفع به

ومن المكان أخذ الفعل (تمكّن)، قال الجوهري: "ولمّا كثر لزوم الميم تُوُهِّمَت أصلية فقيل تمكّن كما قالوا من المسكين تمسكن" (1).

من ذهب إلى هذا الرأي من أصحاب المعجمات إنما أخذه عن الخليل فهو أول من رأى ذلك ثم نقل عنه بعضهم، لكن يبدو أن جعل (أمكن، تمكن) من مادة (كون) ليس قولا واحدا إذ يرى آخرون أنها من مادة الفعل (مكُن).

ولعل هذا ما جعله يعقد مادة أخرى هي (م/ك/ن) ويتحدث فيها عن الفعل (مكّن)، وإن كنا لا ندري ما ضرورة فصله هذا الفعل عن مادة (ك/و/ن) وجعله في تلك المادة على الرغم من أن بقية الحديث عن المادة لا صلة له بالفعل المذكور.

بدا الجوهري ـ رحمه الله ـ في الصحاح فيما يتعلق بـ (تمكن وأمكن) مضطربا، فهو في موضع يوافق الخليل فيجعلهما من مادة (كون)، وفي موضع آخر يجعلهما من مادة (مكن) حيث قال:

"مكن: مَكَّنَهُ الله من الشيء وأمْكَنَهُ منه، بمعنًى. واسْتَمْكَنَ الرجل من الشيء وتَمَكَّنَ منه، بمعنًى. وفلان لا يُمْكِنُهُ النُهوض، أي لا يقدر عليه ... "

ومعنى الفعل (مكّن) أي جعل له مكانا، أما (تمكّن) فهو الفعل المطاوع على حد تعبير الصرفيين (مكّنته، فتمكّن) أو هو الفعل الانعكاسي عند غيرهم.

أليس واردًا ـ أستاذي ـ ألا يكون (مكَّن، أمكن، مستمكن، مكين، التمكين) من مادة (كون) وإنما هي من مادة الفعل (مكُن) بمعنى القدرة والاستطاعة والظهور، و (أمكن) منه معدى بالهمزة، والتعدية بالهمزة تجعل الفاعل مفعولا به بلا خلاف، و (مكّن) مزيد بالتضعيف، واستمكن مزيد بالهمزة والسين والتاء منه أيضا، وعليه معنى (تمكن من الأمر واستمكن منه) قدر عليه، (مكنه من الأمر وأمكنه منه) أقدره عليه وجعل له سلطانا عليه، (هذا أمر ممكن لي) جاعل لي عليه سلطانا فأقدر عليه، (مكين) ذو قوة وقدرة، وبهذا لا يلزم أن يكون ذلك من مادة (كون)؟

ولعل في قول الفيومي في المصباح المنير ما يعضد هذا إذ قال في مادة مكن:

" مَكُنَ: ... و (مَكَّنْتُهُ) من الشيء (تَمْكِينًا) جعلت له عليه سلطانا و قدرة (فَتَمَكَّنَ) منه و (اسْتَمْكَنَ) قدر عليه و له (مَكِنَةٌ) أي قوة و شدة و (أَمْكَنْتُهُ) بالألف مثل (مَكَّنْتُهُ) و (أَمْكَنَنِي) الأمر سهل و تيسر ... "

أختم حديثي بالقول إني لا أخطّئ ما ذهبت إليه، وليس لمثلي أن يرد قولَ مثلك، فضلا عن أنه قول قال به علماء أجلاء، ولكنّ في نفسي شيئا منه وأكاد أطمئن إلى القول الآخر الذي رآه صاحب المصباح ومن وافقه إلا أن يثبت خطؤه.

ولتعلم أستاذي أني أحبك في الله، وأجلّ العلماء ـ وأنت منهم ـ أيما إجلال، وأقدر فيك علما يزينه تواضع، ولا أجادلك ـ يعلم الله ـ وإنما أنا تلميذ يحاور أستاذه ليفيد منه، فلا تضق بي، ولا تضن عليّ بفيض علمك بارك الله لك فيه وبارك فيك ونفع بك!

تحياتي ومودتي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير