(2): وبهذا يُردّ على سيبويه رحمه الله في إنكاره قياسَ المطاوعة بـ (انفعلَ) محتجًّا بأنك لا تقولُ: (انطرد)؛ وذلك أن (انطرد) ليس داخلاً في حدّ القياسِ الذي ذكرنا حتى يُحتجَّ به. (الكتاب / 4/ 66). وآية ذلك أنك إذا أردتَّ بـ (طرَد) المعنى الحسّي كقولك: طردتِ الريحُ الحصَى؛ إذا عصفت به، فإن لك أن تبني منه بناء مطاوعة؛ فلذا قالوا: (اطّرد) على زنة (افتعل)، ومنه (اطّرد الماء).
أبو قصي
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[25 - 08 - 2008, 09:54 ص]ـ
أستأذنك في ذكرِ ما لديَّ.
قولُ ابن منظورٍ هذا معتمِد فيه على ما ذكره الإمام سيبويه عليه رحمة الله في كتابِه من عدم قياسِ أفعال المطاوعةِ؛ فقد قالَ ما معناه: (تقول: طردته فذهب، ولا تقول: انطرد). وسأوردُ لك ما كتبتُه في كتابي المخطوط في (التصريف):
قلتُ:
(المطاوعة؛ وهي ما كانَ الحدثُ فيها حسيًّا؛ أي: لا يقعَ في أصلِ معناه إلا بالحركةِ الظاهرةِ من الفاعلِ، ولا يتِمّ إلا بمطاوعةٍ وقَبولٍ من المفعولِ به؛ سواءٌ كان دالاًّ على معالجةٍ أم غيرَ دالٍّ (1). وبيانُه أنك تجدَ مفعولَه متفاوتًا في الواقعِ بطبيعتِه؛ فمنه ما ينقادُ للفاعلِ، ومنه ما يمتنعُ؛ على أن يكونَ امتناعُه راجعًا إلى طبيعةٍ فيهِ، لا إلى تكلُّفٍ؛ وبما تقدَّم من القيودِ خرجَ (طردَ)؛ فلا تقولُ فيه: (طردته فانطردَ)، لأنه لا يستلزمُ حركةً؛ فربما تطردُ الرجلَ بإشارةٍ منكَ (2). أما (صرفتُه فانصرفَ) فإن أصلَ معناه أن يكونَ في المحسوسِ،؛ قالَ تعالى:) صرف الله قلوبَهم ([التوبة: 127]، وقال:) وإذا صُرفت أبصارُهم تلقاءَ أصحاب النار ... ([الأعراف: 47]، وكما تقولُ: (صرفتُ وجهَك) وذلك أن الشيءَ المرادَ صرفُه ربما انصرفَ لسهولةِ طبيعتِه، وربما لم ينصرِف لصعوبتِها. ومنه (شواه فانشوى)؛ إذ من شأنِ ما يُشوى أن يكونَ إما قابلاً بطبيعتِه للشيِّ، وإما ممتنعًا، وإما أن ينشويَ بعد مدةٍ. وكذلك (حطمَه فانحطَم) إذ الأشياءُ تتفاوت بطبيعتِها؛ فمنها ما لا ينحطِم كالحديدِ، ومنها ما ينحطم بسرعةٍ كالزجاجِ، ومنها ما بين ذلك. ومن ذلك (أطلقتُه فانطلقَ) فإنَّ ما يُخلى عنه أشكالٌ؛ فمنه ما ينطلق، ومنه ما لا ينطلِق كما لا روح فيه. ومنه (قطَعه فانقطع) و (كسرَه فانكسرَ) فإن الأشياءُ لا تستوي فيهما؛ فمنها ما ينقطع بطبيعتِه، ومنها ما لا ينقطع، ومنها ما ينقطع بعد محاولةٍ. وكذلك الكسرُ، بخلافِ الضربِ؛ فإنه خارجٌ عن الحدِّ؛ إذِ الأشياءُ تتساوى طبائعها في قَبولِ الضربِ؛ فليس يمتنع على الضربِ شيء؛ إلا أن يكونَ ذلك راجعًا إلى غيرِ الطبيعةِ، كضعفِ مريدِ الضربِ، أو قوةِ المرادِ ضربُه؛ فلذلك لا تقولُ فيه (انضربَ)؛ ولذلك خطئوا قولَ بعضِهم (انعدمَ). ووجهُ كونِ هذه العلةِ مقتضيةً بناءً للمطاوعةِ أنها لما كانت تتفاوتُ كانَ السامعُ يترقبُ عاقبةَ الفعلِ؛ فإذا قلتَ: (سحبتُ السيارةَ) – مثلاً – لم يُدرَ أطاوعتك فانسحبت أم لم تطاوعك؛ فلذلك كان مناسبًا الإتيانُ بهذا البناءِ. فإن كانَ الفعل قابلاً معنى المطاوعة الذي ذكرنا فإن لك أن تبنيَه قياسًا من خمسةِ أنواعٍ من الفِعلِ؛ الأول: من (فعَلَ) المتعدي؛ فتجعله على (انفعلَ)، إلا أن تكونَ فاؤه لامًا أو ميمًا أو نونًا أو راءًا أو واوًا، وإلا أن يُسمَع له (افتعلَ) مطاوِعًا؛ قال ذو الرمةِ:
سيلاً من الدِّعصِ أغشته معارفَها ** نكباءُ تسحبُ أعلاهُ فينسحِبُ
... ) ا. هـ.
- الحاشية:
1): مما لا يدلّ على معالجةٍ (أطلقه فانطلقَ). وبهذا يُردّ على ابن الحاجبِ ومن تبِعه. ولا تكونُ المطاوعة إلا في الحسيّ من قِبَل أنه موضع القَبولِ والامتناعِ.
(2): وبهذا يُردّ على سيبويه رحمه الله في إنكاره قياسَ المطاوعة بـ (انفعلَ) محتجًّا بأنك لا تقولُ: (انطرد)؛ وذلك أن (انطرد) ليس داخلاً في حدّ القياسِ الذي ذكرنا حتى يُحتجَّ به. (الكتاب / 4/ 66). وآية ذلك أنك إذا أردتَّ بـ (طرَد) المعنى الحسّي كقولك: طردتِ الريحُ الحصَى؛ إذا عصفت به، فإن لك أن تبني منه بناء مطاوعة؛ فلذا قالوا: (اطّرد) على زنة (افتعل)، ومنه (اطّرد الماء).
أبو قصي
أخي الحبيب أبا قصي
أستأذنك وأستأذن أخي عبد العزيز في ذكر بعض الوقفات.
1 - ليست المطاوعة مقصورة على الحسي من الأفعال بدليل أنك تقول: نبهته إلى غموض المعنى فانتبه.
2 - المطاوعة في فهمي هو دلالة الفعل اللازم على استجابة فاعله لأثر فعل آخر موافق له في جذوره ومعناه العام، ويكون انعكاسيًّا بمعنى أن الفاعل يفعل الفعل في نفسه من حيث المعنى، (انكسر=كسر نفسه) ن (احترق=حرق نفسه).
3 - سيبويه لم ينف المطاوعة عن (انفعل) ولم يحتج بالفعل (انطرد). والحقيقة أنه ليس كل فعل يأتي على (انفعل). وليس كل فعل على (انفعل أو افتعل) يدل على المطاوعة، ولذلك كان الفعل (اطرد) غير مطاوع للفعل (طرد) لأن (اطرد) لا تعني طرد نفسه. ولذلك ليس دالا على المطاوعة.
4 - ذكرت أن الفعل (أطلقه فانطلق) لا يدل على معالجة، وهذا أمر أتوقف فيه فالإطلاق معالجة.
¥