تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذكر ابن رجب في بيان المراد من كلام مسلم السابق احتمالين، ولم يرجح أحدهما على الآخر. قال: (وهذا يحتمل أن يريد به كثرة التدليس ويحتمل أن يريد به ثبوت ذلك عنه وصحته) ([2]).

والذي يظهر لي أن مقصود ذلك عند مسلم أن يصف أكثر من إمام من أئمة النقاد ذلك الراوي بالتدليس فيشتهر أمره ويعرف بأنه مدلس، ولا يلزم أن يكون مكثرًا من التدليس حتى يشتهر به.

فهذا سفيان الثوري مشهور بالتدليس، وقد صرح الإمام البخاري بأنه قليل التدليس ([3]).

وكذلك ابن جريج مشهور بالتدليس، وقد صرح ابن حجر بأن تدليسه قليل ([4]).

والتدليس كما عرفه الخطيب البغدادي: (رواية المحدث عمن عاصره، ولم يلقه فيتوهم أنه سمع منه، أو روايته عمن قد لقيه ما لم يسمعه منه، هذا هو التدليس في الإسناد) ([5]).

وكذلك عرفه ابن الصلاح فقال: (تدليس الإسناد: وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهمًا أنه سمعه منه، أو عمن عاصره، ولم يلقه موهمًا أنه قد لقيه وسمعه منه) ([6]).

وعرف الذهبي الحديث المدلس بقوله: (ما رواه الرجل عن آخر ولم يسمعه منه، أو لم يدركه) ([7]).

وقال في أبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي: (إلا أنه يدلس عمن لحقهم، وعمن لم يلحقهم) ([8]).

وقال الحافظ العراقي معلقًا على قول ابن الصلاح الآنف: (هكذا حد المصنف – يعني ابن الصلاح – القسم الأول من قسمي التدليس اللذين ذكرهما، وقد حده غير واحد من الحفاظ بما هو أخص من هذا، وهو أن يروي عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه، هكذا حده الحافظ أبوالحسن بن محمد بن عبدالملك بن القطان في كتاب بيان الوهم والإبهام.

قال ابن القطان: والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه. انتهى.

ويقابل هذا القول في تضييق حد التدليس القول الآخر الذي حكاه ابن عبدالبر في التمهيد ([9]) أن التدليس أن يحدث الرجل بما لم يسمعه. قال ابن عبدالبر: وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد لا مالك، ولا غيره.

وما ذكره المصنف في حد التدليس هو المشهور بين أهل الحديث، وإنما ذكرت قول البزار، وابن القطان كيلا يغتر بهما من وقف عليهما فيظن موافقة أهل الشأن لذلك) ([10]).

ويستخلص من النصوص المتقدمة أن التدليس لفظ يطلق على صورتين:

الصورة الأولى: إذا روى الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه.

الصورة الثانية: إذا روى الراوي عمن عاصره ولم يلقه.

وذهب الحافظ ابن حجر إلى أن الصورة الثانية لا تسمى تدليسًا بل هي المرسل الخفي، وهو في تحديده للتدليس في الصورة الأولى فقط موافق للبزار وابن القطان الفاسي.

قال ابن حجر: (والذي يظهر من تصرفات الحذاق منهم – أي أهل الحديث – أن التدليس مختص باللقي، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم، وأبي عثمان النهدي، وغيرهما عن النبي r من قبيل المرسل لا من قبيل المدلس.

وقد قال الخطيب – في باب المرسل من كتابه الكفاية ([11]) -: "لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بمدلس وهو: رواية الراوي عن من لم يعاصره أو لم يلقه، ثم مثل للأول سعيد بن المسيب وغيره عن النبي r، وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري. ثم قال: والحكم في الجميع عندنا واحد". انتهى.

فقد بين الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يثبت لقيه ولو عاصره أن ذلك مرسل لا مدلس.

والتحقيق فيه التفصيل وهو: أن من ذكر بالتدليس أو الإرسال إذا بالصيغة الموهمة عمن لقيه، فهو تدليس أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال) ([12]).

وفيما ذهب إليه الحافظ ابن حجر نظر لما يلي:

1 - أن الخطيب البغدادي قد أدخل في تعريفه للتدليس رواية المحدث عمن عاصره ولم يلقه فيتوهم أنه سمع منه ([13]).

وأيضًا فقد ذكر الخطيب في فصل "ذكر شيء من أخبار المدلسين" ([14]) كلام الإمام أحمد بن حنبل فيمن روى عنهم سعيد بن أبي عروبة وحدث عنهم ولم يسمع منهم شيئًا. فدل هذا على أنه تدليس عند الخطيب وليس إرسال.

ولكن يلاحظ أن المحدث إذا حدث عمن عاصره ولم يلقه يعد مدلسًا بشرط الإبهام أي يوهم المتلقي عنه أنه قد سمع وهو لم يسمع وهذا نص عليه الخطيب في قوله: "فيتوهم أنه سمع منه". وبهذا يندفع التناقض عن كلام الخطيب البغدادي الذي نقله ابن حجر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير