تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثانيهما: أنا لو سلمنا أن الموتى في الآية على حقيقتهم؛ فلا تعارُض بينها وبين أن بعض الموتى يسمعون في وقت ما، أو في حال ما، فإن تخصيص العموم ممكن وصحيح إذا وُجد المخصِّص، وقد وُجد [هنا]؛ بدليل هذا الحديث وحديث أبي طلحة الذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أهل بدر: ((والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم))، وهو متفق عليه، وبما في معناه؛ مثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الميت: ((إنه ليسمع قرعَ النِّعال))، وبالمعلوم من سؤال الملكين للميت في قبره، وجوابه لهما، إلى غير ذلك ما لا يُنكر.) 8 63, 64.

وما جاء في فتح الباري لابن حجر العسقلاني: (

"فقال لهم ما قال: "ووقع عند الكشميهني: "فقال لهم مثل ما قال: "و" مثل" زائدة لا حاجة إليها. قوله: "يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار "القائل" يقول: "هو عروة، يريد أن يبين مراد عائشة فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} مقيد باستقرارهم في النار، وعلى هذا فلا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات ابن عمر كما تقدم توضيحه في الجنائز، لكن الرواية التي بعد هذه تدل على أن عائشة كانت تنكر ذلك مطلقا لقولها إن الحديث إنما هو بلفظ: "إنهم ليعلمون" وأن ابن عمر وهم في قوله: "ليسمعون" قال البيهقي: العلم لا يمنع من السماع، والجواب عن الآية أنه لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة، ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم، وللطبراني من حديث ابن مسعود مثله بإسناد صحيح. ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه: "قالوا يا رسول الله وهل يسمعون؟ قال: يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون" وفي حديث ابن مسعود "ولكنهم اليوم لا يجيبون" ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة، قال الإسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن، لأن قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "إنهم الآن يسمعون" لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك. وأما جوابها بأنه إنما قال إنهم ليعلمون فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها. وقال السهيلي ما محصله: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، لقول الصحابة له: "أتخاطب أقواما قد جيفوا؟ فأجابهم" قال: وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين، وذلك إما بآذان رءوسهم على قول الأكثر أو بآذان قلوبهم، قال: وقد تمسك بهذا الحديث من يقول: إن السؤال يتوجه على الروح والبدن، ورده من قال: إنما يتوجه على الروح فقط بأن الإسماع يحتمل أن يكون لأذن الرأس ولأذن القلب فلم يبق فيه حجة. قلت: إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يحسن التمسك به في مسألة السؤال أصلا. وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وكذلك المراد بمن في القبور، فحملته عائشة على الحقيقة وجعلته أصلا احتاجت معه إلى تأويل قوله: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وهذا قول الأكثر، وقيل: هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في القبور الكفار، شبهوا بالموتى وهم أحياء، والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها، والله أعلم.) 7/ 301.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير