جميعهم من طريق: علي بن الحسن، عن الحسين بن واقد، عن مروان بن سالم المقفع، قال رأيت ابن عمر t يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، وقال: كان رسول الله r إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله).
وحسنه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 711).
ونقل ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 512 - قسم الصيام)، وابن مفلح في الفروع (3/ 55)، وابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 202) تحسين الدارقطني له ولم يتعقبوه.
قلت: هذا الحديث إسناده غريب كما قاله أبو عبد الله ابن منده (ينظر: تهذيب الكمال 27/ 391).
وعلي بن الحسن هو ابن شقيق، وهو ثقة من الحفاظ.
والحسين بن واقد صدوق جيد الحديث له بعض الأوهام، خرج له الجماعة، إلا البخاري تعليقاً.
وأما مروان بن سالم فقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير (7/ 374) وقال: «روى عن ابن عمر» وسكت عليه. وقال أبو حاتم في ترجمة مروان مولى هند كما في الجرح والتعديل (8/ 271): «مروان المقفع روى عن ابن عمر حديثاً مرفوعاً، روى عنه حسين بن واقد، ولا أدري هو مروان مولى هند أم غيره؟».
قلت: فرّق البخاري بين مروان مولى هند، ومروان المقفع، ومولى هند وثقه ابن معين وروى عنه حماد بن زيد. والأقرب أنهما رجلان؛ لاختلاف اسميهما، واختلاف من روى عنهما.
وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 424) كعادته في توثيق المجاهيل.
والذي يظهر أن فيه جهالة؛ لأمرين:
1) أنه لم يذكر أنه روى عن أحدٍ سوى ابن عمر، ولم يذُكر له راوٍ سوى الحسين بن واقد، وعزرة بن ثابت. فهذا يدل على عدم شهرته، ولذا اختلف في شخصه كما تقدم في كلام أبي حاتم الرازي.
2) أنه مقلّ جداً، فلم يُذكر في ترجمته غير هذا الخبر.
فمثله فيه جهالة، وقد أشار الذهبي إلى ذلك في كتابه الكاشف فقال: «وُثّق». والذهبي يستعمل هذا الاصطلاح فيمن لم يوثق توثيقاً معتبراً، ومثله ابن حجر عندما قال عنه في التقريب: «مقبول». فكثيراً ما يطلق هذا الاصطلاح على من كان بهذه المنزلة.
هذا ما يتعلق بإسناده، أما متنه، ففيه شطران:
الأول: أن ابن عمر كان يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، والذي جاء في صحيح البخاري (5892) من حديث: عمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر t أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه.
ففي الحديث الذي معنا بدون تقييد ذلك بحج أو عمرة، ولا شك أن ما في الصحيح أصح، على أنه لو ثبت لم يكن ثمة تعارض، فالمطلق يُحمل على المقيد.
الثاني: ذكر هذا الدعاء عند الإفطار، ولم يأت إلا من هذا الطريق.
وهذا يجعل في النفس شيئاً من صحة هذا الخبر.
ولذا نقل صاحب الكشف الحثيث في ترجمة مروان بن سالم (ص 419 رقم 762) هذا الحديث ثم قال: استنكر عليه الذهبي هذا الحديث الذي ساقه في ترجمته فيما يظهر.
والخلاصة: أن في ثبوت هذا الحديث نظر، ويمكن أن يُعلّ بعلتين:
1. غرابة إسناده ومتنه.
2. جهالة راويه.
- تحسين الدارقطني وتصحيح الحاكم لهذا الحديث:
أما تحسين الدارقطني لهذا الخبر، فمن المعلوم المشهور أن معنى الحسن عند المتقدمين أوسع منه عند المتأخرين، فأحياناً يطلقونه على الغريب، وأحياناً على متن الحديث ويريدون حُسن ألفاظه، وأحياناً على الحديث الذي ليس بشديد الضعف، ويروى من غير وجه، كما هو صنيع أبي عيسى الترمذي، ولذا يجمع أحياناً بين التحسين والتضعيف.
أما الحسن عند المتأخرين فهو: رواية الثقة الذي خفّ ضبطه، فينبغي التنبه لهذا الفرق.
وعلى هذا لا يلزم من تحسين الدارقطني لهذا الإسناد أنه مقبول، ومتنه محفوظ.
وأما تصحيح الحاكم فتساهله معلوم، وقد أخطأ هنا في مروان فظنّه الأصفر الذي أخرج له البخاري؛ قال ابن حجر في التهذيب: «زعم الحاكم في المستدرك أن البخاري احتج به فوهم، ولعله اشتبه عليه بمروان الأصفر».
ولذا ذكر ابن القيم في زاد المعاد (2/ 49) هذا الحديث بصيغة التضعيف، فقال: وروي عنه ...
ـ[أبو حذيفة التونسي]ــــــــ[14 - 08 - 08, 01:49 ص]ـ
الحديث الثاني عشر:
قال رسول الله r: ( إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد).
هذا الحديث أخرجه ابن ماجه (1753)، والطبراني في الدعاء (919)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (481)، والحاكم (1/ 422)، والبيهقي في الشعب (3904)، والفضائل (142)، وابن عساكر (8/ 256)؛ جميعهم من طريق:
الوليد بن مسلم، ثنا إسحاق بن عبيد الله المدني، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ... فذكره.
قلت: هذا إسناد غريب، وفيه: (إسحاق بن عبيدالله)، وقد وقع في بعض المصادر: (إسحاق بن عبدالله)، وقد اختلف في شخصه:
1. فقال الحاكم –وقد وقع عنده: إسحاق بن عبدالله-: «إسحاق هذا إن كان ابن عبد الله مولى زائدة فقد خرج عنه مسلم، وإن كان ابن أبي فروة فإنهما لم يخرجاه».
قال ابن حجر في إتحاف المهرة (9/ 549): «هذا بناءً على ما وقع عنده أنه (ابن عبدالله) مكبّراً، وإنما هو (عبيد الله) على التصغير، وإنما هو ابن أبي المهاجر أخو إسماعيل، وقد أوضحت ذلك في مختصر التهذيب».
قلت: والذي في التهذيب أنه ذهب إلى هذا القول بناءً على ما ذكره ابن عساكر في تاريخه، وأنه سمع سعيد بن المسيب وابن أبي مليكة، وروى عنه الوليد بن مسلم .. ثم ذكر له هذا الحديث.
2. وقال أبو حاتم وأبو زرعة أنه: إسحاق بن عبدالله بن أبي مليكة.
3. وأما البخاري فسماه في التاريخ الكبير: إسحاق بن عبدالله المدني.
وهذا كله يدل على جهالته وعدم شهرته.
وأقرب هذه الأقوال: ما ذهب إليه ابن عساكر ورجّحه ابن حجر، وذلك أن هذا الراوي وقع حديثه عند أهل الشام، فهُم أدرى به.
وإذا قلنا أنه إسحاق بن عبيدالله بن أبي المهاجر فهو ليس بالمشهور.
وقد أعله المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 53) بإسحاق فقال: «وإسحاق هذا مدني لا يعرف».
ولذا ذكر ابن القيم في زاد المعاد (2/ 49) هذا الحديث بصيغة التضعيف، فقال: «ويُذكر .. ».
وقد جاءت أحاديث أخرى أن لكل مسلم ومسلمة في رمضان دعوة مستجابة، ولا يصح منها شيء.
¥