قال: أكتبه كيف شئت، قال: فأنزل الله في ذلك {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي و لم يوح إليه شيء} [الأنعام: 93] الآية كلها.
قال النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة: [من أخذ ابن أبي سرح فليضرب عنقه حيثما و جده و إن كان متعلقا بأستار الكعبة].
ففي هذا الأثر أنه كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حرفين جائزين فيقول له: [أكتب أي ذلك شئت] فيوقفه الله للصواب فيكتب أحب الحرفين إلى الله وكان كلاها منزلا، أو يكتب ما أنزله الله فقط إن لم يكن الآخر منزلا، وكان هذا التخيير من النبي صلى الله علي و سلم إما توسعة إن كان الله قد أنزلهما، أو ثقة بحفظ الله وعلما منه بأنه لا يكتب إلا ما أنزل، وليس هذا ينكر في كتاب تولى الله حفظه وضمن أنه لا يأته الباطل من بين يديه و لا من خلفه.
[التوجيه الثالث]
وذكر بعضهم وجها ثالثا وهو أنه ربما كان يسمع النبي صلى الله عليه و سلم بمكة الآية حتى لم يبق منها إلا كلمة أو كلمتان فيستدل بما قرأ منها على باقيها كما يفعله الفطن الذكي، فيكتبه ثم يقرأه على النبي صلى الله عليه و سلم فيقول: [كذلك أنزلت] كما اتفق مثل ذلك لعمر في قوله: {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14].
وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثل هذا في هذه القصة و إن كان هذا الإسناد ليس بثقة قال: عن ابن أبي سرح أنه كان تكلم بالإسلام و كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض الأحايين فإذا أملى عليه [عزيز حكيم] كتب [غفور رحيم] فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: [هذا أو ذاك سواء] فلما نزلت: {و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} أملاها عليه فلما انتهى إلى قوله: {خلقا آخر} عجب عبد الله بن سعد فقال: تبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون: 14] فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: [كذا أنزلت علي فاكتبها] فشك حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلى كما أوحى إليه، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال فنزلت هذه الآية [الأنعام: 93].
ومما ضعفت به هذه الرواية أن المشهور أن الذي تكلم بهذا عمر بن الخطاز
[التوجيه الرابع]
ومن الناس من قال قولا آخر قال الذي ثبت في رواية أنس أنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه و سلم ما كتبه بعد ما كتبه فيملي عليه [سميعا عليما] فيقول: قد كتبت [سميعا بصيرا] فيقول: [دعه] أو [أكتب كيف شئت] وكذلك في حديث الواقدي أنه كان يقول: [كذالك أنزل الله] ويقره.
قالوا: و كان النبي صلى الله عليه و سلم به حاجة إلى من يكتب لقلة الكتاب في الصحابة، وعدم حضور الكتاب منهم في وقت الحاجة إليهم، فإن العرب كان الغالب عليهم الأمية حتى إن كان الحي العظيم يطلب فيه كاتب فلا يوجد، و كان أحدهم إذا أراد كتابة أو شقة وجد مشقة حتى يحصل له كاتب، فإذا اتفق للنبي صلى الله عليه و سلم من يكتب له انتهز الفرصة في كتابته، فإذا زاد الكاتب أو نقص تركه لحرصه على كتابة ما يمليه، ولا يأمره بتغيير ذلك خوفا من ضجره و أن يقطع الكتابة قبل إتمامها ثقة منه صلى الله عليه و سلم بأن تلك الكلمة أو الكلمتين تستدرك فيما بعد بالإلقاء إلى من يتلقنها منه، أو بكتابها تعويلا على المحفوظ عنده وفي قلبه، كما قال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر و ما يخفى} [الأعلى: 7].
[الراجح من هذه الأقوال بعد ترجيح ثبوت القصة والحادثة]
والأشبه والله أعلم هو الوجه الأول، وأن هذا كان فيما أنزل القرآن فيه على حروف عدة، فإن القول المرضي عند علماء السلف الذي يدل عليه عامة الآحاديث وقراءات الصحابة: أن المصحف الذي جمع عثمان الناس عليه هو أحد الحروف السبعة، وهو العرضة الآخرة، وأن الحروف السبعة خارجة عن هذا المصحف، فإن الحروف السبعة كانت مختلفة المل، مع أن المعنى غير مختلف ولا متضاد)).
انتهى كلام شيخ الإسلام – رحمه الله -.
وأظن أن المسألة أصبحت واضحة، والحمد لله رب العالمين.
ـ[عمرو بسيوني]ــــــــ[18 - 07 - 09, 03:14 م]ـ
رد مسدد أخي الفاضل أبا مالك، وفي الأوجه السابقة ما يفي ويشفي ويكفي.