وحدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن أنس: ((أن رجلا كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقد قرأ البقرة و آل عمران، وكان الرجل إذا قرأ البقرة و آل عمران جد فينا يعني عظم، فكان النبي صلى الله عليه و سلم يملي عليه [غفورا رحيما] فيكتب [عليما حكيما] فيقول له النبي صلى الله عليه و سلم أكتب كذا و كذا اكتب كيف شئت، و يملي عليه [عليما حكيما] فيكتب [سميعا بصيرا] فيقول: اكتب كيف شئت، فأرتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين وقال: أنا أعلمكم بمحمد إن كنت لأكتب كيف شئت، فمات ذلك الرجل فقال رسول صلى الله عليه و سلم: [إن الأرض لم تقبله].
قال أنس: فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذا، قال أبو طلحة: ما شأن هذا الرجل؟ قالوا: [قد دفناه مرارا فلم تقبله الأرض] فهذا إسناد صحيح.
وقد قال من ذهب إلى القول الأول [وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له شيئا أبدا]: أعل البزار حديث ثابت عن انس قال: رواه عنه و لم يتابع عليه ورواه حميد عن أنس، و أظن حميدا إنما سمعه من ثابت.
قالوا: ثم أن أنسا لم يذكر أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم أو شهده، يقول ذلك ولعله حكى ما سمع.
وفي هذا الكلام تكلف ظاهر والذي ذكرناه في حديث أبن إسحاق والواقدي وغيرهما موافق لظاهر هذه الرواية، وكذلك ذكر طائفة من أهل التفسير وقد جاءت آثار فيها بيان صفة الحال على هذا القول.
ففي حديث ابن إسحاق و ذلك أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: [عليم حكيم] فيقول: [أو أكتب عزيز حكيم] فيقول له رسول الله صلى الله عليه و سلم: [نعم كلاهما سواء] و في الرواية الأخرى: و ذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يملي عليه فيقول [عزيز حكيم أو حكيم عليم] فكان يكتبها على أحد الحرفين فيقول: [كل صواب].
[التوجيه الأول]
ففي هذا بيان لأن كلا الحرفين كان قد نزل و أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأهما و يقول له: [أكتب كيف شئت من هذين الحرفين فكل صواب] و قد جاء مصرحا عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال: [أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف، إن قلت عزيز حكيم أو غفور رحيم فهو كذلك ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة].
وفي حرف جماعة من الصحابة {إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم} و الأحاديث في ذلك منتشرة تدل على أن من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن أن يختم الآية الواحدة بعدة أسماء من أسماء الله على سبيل البدل يخير القاريء في القراءة بأيها شاء.
وكان النبي صلى الله عليه و سلم يخيره أن يكتب ما شاء من تلك الحروف وربما قرأها النبي صلى الله عليه و سلم بحرف من الحروف فيقول له: [أو أكتب كذا وكذا] لكثرة ما سمع النبي صلى الله عليه و سلم يخير بين الحرفين، فيقول له النبي صلى الله عليه و سلم: [كلاهما سواء]، لأن الآية نزلت بالحرفين، وربما كتب هو أحد الحرفين ثم قرأه على النبي صلى الله عليه و سلم فأقره عليه، لأنه قد نزل كذلك أيضا. وختم الآي بمثل [سميع عليم] و [عليم حليم] و [غفور رحيم] أو بمثل [سميع بصير] أو [عليم حليم] أو [حكيم حليم] كثير في القرآن، وكان نزول الآية على عدة من هذه الحروف أمرا معتادا، ثم إن الله نسخ بعض تلك الحروف لما كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه و سلم بالقرآن في كل رمضان، و كانت العرضة الأخيرة هي حرف زيد بن ثابت الذي يقرأ الناس به اليوم، وهو الذي جمع عثمان و الصحابة رضي الله عنهم أجمعين عليه الناس ولهذا ذكر ابن عباس هذه القصة في الناسخ و المنسوخ و كذلك ذكرها الإمام أحمد في كتابه في [الناسخ و المنسوخ] لتضمنها نسخ بعض الحروف.
[التوجيه الثاني]
وروى فيها وجه آخر رواه الإمام أحمد في [الناسخ و المنسوخ]: حدثنا مسكين بن بكير ثنا معان قال: و سمعت خلفا يقول: كان ابن أبي سرح كتب للنبي صلى الله عليه و سلم القرآن فكان ربما سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن خواتم الآي [يعمون] و [يفعلون] و نحو ذا، فيقول له النبي صلى الله عليه و سلم: [أكتب أي ذلك شئت] قال: فيوقفه الله للصواب من ذلك، فأتى أهل مكة مرتدا فقالوا: يا ابن أبي سرح كيف كنت تكتب لابن أبي كبشة القرآن؟
¥