أما قول الإمام الألباني: (فإذا ضُمَّ إلي هذا الموصول: طريق ابن عيينة الأخري الموصولة عن عمرو بن دينار؛ أخذ الحديث قوة، وارتقي إلي درجة الصحة إن شاء الله!!) فهذا ما أراه إلا من تقوية المنكر بالمنكر!! ولا يصح عن ابن عيينة إلا الوجه المرسل كما مضي، وما عدا ذلك عنه فهو غير محفوظ البتة!!
والصواب في هذا الحديث: هو الإرسال، وهذا هو الذي اختاره العقيلي، فإنه قد ذكر رواية محمد بن مسلم الطائفي الموصولة عن إبراهيم بن ميسرة في الضعفاء [134/ 4]، و أعقبها برواية ابن عيينة المرسلة عن إبراهيم، ثم قال: (وهذا أولى) وهو كما قال.
وللحديث: شاهد من رواية عمر بن الخطاب به مرفوعًا .... أخرجه أبو بمر الإسماعيلي في: (مسند عمر) وسنده منكر! كما بينَّا ذلك في تعليقنا على (ذم الهوى / لابن الجوزي) [1/رقم/899].
[تنبيه] قال الطبراني في الأوسط [رقم 3153]، عقب روايته هذا الحديث موصولاً من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس به ... قال: (لم يروه عن طاوس؛ إلا إبراهيمه، ولا يروه [كذا] عن إبراهيم إلا محمد وسفيان الثوري؛ تفرد به مؤمل بن إسماعيل عن الثوري!!) وهذا كلام صحيح مستقيم؛ إلا جَزْمَه بتفرد مؤمل بروايته عن الثوري وحده!! بل تابعه عبد الصمد بن حسان كما مضي ذلك.
لكن أبَى المحدث أبو إسحاق الحويني إلا أن يناقش الطبراني في جميع كلامه!! وتعقبه في كتابه تنبيه الهاجد [رقم 277]، قائلا: (قلت: رضي الله عنك!! ففي هذا النقد مؤاخذات ثلاثة!
:الأولي: أنه لم يتفرد به إبراهيم بن ميسرة!! فقد تابعه سليمان الأحول أو عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا مثله!! أخرجه ... ).
قلت: بل عفا الله عنك يا أبا إسحاق!! أبمثل هذا يُتَعقَّب علي أبي القاسم اللَّخمي؟! ألم تعلم أن هذه المتابعة لا تثبت إلا إذا تجمَّد الماء وسَطَ جحيم مُسْتعر!! فوالله ما رواه سليمان الأحول أو عمرو بن دينار قط!! كيف وراويه عنهما أو أحدهما: هو إبراهيمه بن يزيد الخوزي ذلك الهالك المشهور!؟ وكيف لمثله أن يُصدَّق في رواية عن مثله؟! فكيف بإمام من أئمة المسلمين؟! وقد مضي الكلام عليى روايته سابقًا، فانظره إن شئت.
ثم قال المحدث الحويني - حفظه الله-: (والثانية: لم يتفرد به الطائفي وسفيان الثوري!! فتابعهما عثمان بن الأسود المكي عن إبراهيمه بن ميسرة مثله ... أخرجه ... !!).
قلت: لا والله! ما صحَّ هذا عن عثمان بن الأسود قط!! وكيف يصح وفي الطريح إليه حيَّة رقطاء دونها الموت الزؤام؟! أعني: عمر بن هارون البخلي الذي يقول عنه ابن معين: (كذاب خبيث ليس بشيء!!) وأسقطه سائر النقاد فسقط على أم رأسه!! راجع ترجمته في (التهذيب) وذيوله، وقد مضى الكلام على روايته أيضًا.
وكم ينزلق المحدث أبو إسحاق بقدميْه هذه المزالق الوعرة فيما يتعقَّب به جماعة الحفاظ في كتابه (تنبيه الهاجد!!) كأنه لم يكن يبالي بعدم ثبوت الطريق إلي ذلك المتابع الذي يدْرأُ بروايته قولَ من نَفَى ذلك من الأئمة الكبار!! فأنَّى يتمُّ له التعقب؟! ويكف يصح له؟!
وكم جزم حُذَّاق المحدثين: بأن الأئمة قد يطلقون تفرُّد الراوي بالرواية، ومرادهم بذلك: تفرُّده بالسياق لا بأصل الحديث، أو تفرده بزيادة وقعت فيه مثلاً!!
وكم قلنا: بأنهم قد يجزمون بكون فلان لم يروه عنه إلا فلان، ومرادهم أنه لم يصح إلا من طريق هذا عن ذلك فقط؛ لصحة الإسناد إليهما، وهم يعلمون أن ثمَّة جماعة قد روي عنهم متابعة ذلك الراوي، لكنهم يهملون ذكر ذلك؛ لعدم ثبوت تلك المتابعات إلي أصحابها، وكذا لعدم شهرتها عندهم، وربما صحَّتْ المتابعة إلي صاحبها، لكنهم يتنكبون عنها لكون ذلك المتابع ليس بحجة عندهم، فتكون متابعته كعدمها!! وأين هؤلاء المتعقِّبون - إلا من رحم ربي- على هؤلاء الأماجد من جميع ما مضى؟! فكأننا ننفخ في بُوقٍ ليس له منفذ تُصمُّ لصوته الأسماع!! حتى عزمنا على وضْع كتاب نستدرك به على ما استدركه الشيخ المحدث النبيل أبو إسحاق الحويني علي جماعة من الكبار في كتابه: (تنبيه الهاجد) دون مراعاة منه لمراد بعض الأئمة في إطلاقهم التفرد ونحوه!! ولعلنا نُسمِّيه: (إيقاظ العابد بما وقع من النظر في تنبيه الهاجد) نذكر في مقدمته قواعد كلية، وقوانين ثابتة شمولية؛ لمن يريد التعقب علي سلف الأئمة في مختلف الفنون، ثم نذكر قبل ذلك شروط صلاحية المتعقب لأئمتنا، ومَنْ يقبل قوله ومن يُردُّ!! مع ذِكْر أمثلة لذلك، وفوائد نفيسة، ونُكَت عزيزة، ونصائح وإرشادات، ثم نُعرِّج علي موضوع الكتاب، وذِْكر ترجمة حسنة للمتعقَّب عليه، ثم الولوج إلي مواطن النظر في (تنبيه الهاجد) على ترتيب حسن إن شاء الله، ونحن نجمع العزم لتحقيق ذلك الإيقاظ عاجلاً غير آجل، والله من وراء القصد، وهو أعلم بمن زرع وحصد، والويل لي إنْ لم يتقبله الله مني!!
انتهى بحروفه من: (رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى) [رقم: 2747].
¥