وفهمه لصنيع مسلم يقتضي أن مسلمًا قد يورد الحديث المعلول - عنده سندًا أو متنًا - في (صحيحه) ساكتًا عليه!! اللهم إلا أنه ربما أشار إلي إعلاله بتأخيره عن الرواية المحفوظة في أول الباب قبله!! وهناك من يقول بهذا من المتأخرين!! ولم يفعلوا شيئًا كما بسطنا الكلام عليه في غير هذا المكان.
أما قوله: (الفقيمي ثقة، وليس في روايته ما يستنكر!! بل فيه ما يفيد ... إلخ!!).
فهذا حسب فهمه!! وإلا فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية طلحة: (أو غير ذلك يا عائشة؟!) ليس فيه كبير فرق عن قوله في رواية الفقيمي: (أو لا تدرين أن الله خلق الجنة .... ) لأن هذا مراجعة، وذاك مثله!! ورائحة إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على عائشة: فائحة من اللفظين جميعًا!!
وهذا ما فهمه ابن عبد البر أخيرًا فيما نقلناه عنه من كتابه (الاستذكار) وكذا قبله في الموضع الثاني من التمهيد [81/ 105].
أما الموضع الأول الذي جزم فيه ابن عبد البر بتفرد طلحة بن يحيى بهذا الحديث!! فأراه كان لم يقف على رواية الفقيمي بعدُ!! أوسهَىَ عنها وقتذاك!! وهذا أولى ما يُعتذر به عنه؛ بدلاً من رمْيه بالغفلة عن الفرق المتوهَّم بين لفظ رواية الرجلين!! كما زعم ذلك الأخ الفاضل المعلق على منتخب علل الخلال [ص65]! فإنه حاكَمَ ابن عبد البر بالاختصام إلى فهمه خاصة! وهذا إخسار في الميزان!
بل إن هذا الفاضل قد غفل عن كون الإمام أحمد قد استنكر رواية الفقيمي هو الآخر!! وهذا يدل على أنه كان لا يرى فرقًا بينها وبين رواية طلحة البتة!!
ودونك كلام الإمام أحمد:
قال الحافظ ابن رجب ابن الشهاب أحمد في أهوال القبور [ص/175/طبعة دار الكتاب العربي]، بعد أن ساق رواية طلحة بن يحيى من عند مسلم: (وقد ضعف أحمد هذا الحديث من أجل طلحة بن يحيى، وقال: قد روى مناكير!! وذكر له الحديث ... ).
ثم قال ابن رجب: (وأما رواية فضيل بن عمرو له عن عائشة؛ فقال أحمد: ما أراه سمعه إلا من طلحة بن يحيى!! يعني أنه أخذه عنه ودلسه!! حيث رواه عن عائشة بنت طلحة!!).
قلت: ونص الإمام أحمد نقله عنه ابنه عبد الله في العلل [2/ 11/ رقم 1380]، وعنه العقيلي في الضعفاء [2/ 226/الطبعة العلمية]، إلا أن عبارته هناك كأنها مشوشة!!
فلفْظُ عبد الله بن أحمد هناك هكذا: (حدثني أبي قال حدثنا ابن فضيل عن العلاء أو حبيب بن أبي عمرة، قال أبي وما أراه سمعه إلا من طلحة يعني ابن فضيل!).
قلتُ: ابن فضيل الأول - الذي يحدث عنه أحمد - هو محمد بن فضيل بن غزوان، وابن فضيل الثاني: لا وجود له في عالم الإمكان؟
وظاهر العبارة يُفهم منها أن ابن فضيل الثاني هذا هو شيخ أحمد! وليس من ذا شيء!
وصواب العبارة: ( .... يعني: فضيل) وهو ابن عمرو الفقيمي راوي هذا الحديث عن عائشة بنت طلحة. فقوله: (ابن) لا معنى لها عندي! وكأنها زيادة مقحمة من الناسخ أو غيره!
ولم أطلع على النسخة المخطوطة (لعلل عبد الله بن أحمد)! لكن العبارة هكذا في (ضعفاء العقيلي) - وهو نقل العبارة عن عبد الله بن أحمد - في كلتا طبعتيه اللتين عندي! وهما طبعتا: (الدار العلمية) و (طبعة دار الصميعي) ولا أدري أهي هكذا أيضًا في (طبعة مازن السرساوي) أم لا؟ فإن طبعته ليست عندي الآن!
وعندي ثلاث نسخ مخطوطة من (ضعفاء العقيلي) وقعت فيها العبارة كما هي في المطبوع تمامًا!
فانظر من النسخة الأولى: [ق/194/ب].ومن النسخة الثانية: [ق/134/ب]، ومن النسخة الثالثة: [ق/194/ب].
والنسختان الأولى والثالثة كلاهما: من محفوظات مكتبة (فيصل بن يوسف العلي/بالكويت) وهما مصورتان عن (مكتبة برلين الغربية) بألمانيا.
والنسخة الثانية: من محفوظات (ظاهرية دمشق) بالشام.
ثم قول الإمام أحمد في تلك العبارة الماضية: (لا أراه سمعه إلا من طلحة) لست أدري على من يعود الضمير في لفظة: (سمعه)؟ وهو لم يذكر قبل تلك الجملة سوى العلاء بن المسيب أو حبيب بن أبي عمرة! على الشك!
أما العلاء: فلا يمكن أن يكون المقصود بهذا! لأنه لم يرو هذا الحديث عن عائشة بنت طلحة إلا بواسطة شيخه (فضيل بن عمرو).
وأما: حبيب بن أبي عمرة، فهو محتمل، لأنه يروي عن عائشة بنت طلحة.
¥