ويقرب عندي: أن يكون صواب عبارة الإمام: (حدثنا ابن فضيل عن العلاء عن [فضيل بن عمرو] أو حبيب بن أبي عمرة، قال أبي وما أراه سمعه إلا من طلحة).
قلتُ: فيكون ذِكْرُ (فضيل بن عمرو) قد سقط من تلك الجملة، ولا بد منه حتى يصح إرجاع الضمير إليه في قوله: (وما أراه سمعه ... )!
ويؤيد هذا: أن ابن رجب قد نقل العبارة سليمة مستقيمة لا ترى فيها عوجًا ولا أمْتا!
فإنه قال بعد أن ذكر إنكار الإمام أحمد لرواية طلحة بن يحيى: (وأما رواية فضيل بن عمرو له عن عائشة - يعني بنت طلحة - فقال أحمد: ما أراه سمعه إلا من طلحة بن يحيى يعني أنه أخذه عنه ودلسه حيث رواه عن عائشة بنت طلحة).
فإما أن يكون ابن رجب قد أخذ هذا النص من نسخة سليمة من (علل عبد الله بن أحمد) أو من (ضعفاء العقيلي).
وإما أن يكون نقله من مصدر آخر لا نعرفه من مصادره الكثيرة عن الإمام أحمد!
وابن رجب من أعلم الناس بأقوال الإمام أحمد ومعانيها؛ ووقف منها ما لم يقف عليه غيره؛ لاسيما أقواله في علل الأحاديث!! وأنا لا أقدم عليه أحدًا من أشياخه ولا من جاء بعده في تلك المعرفة أصلاً!! هذا مع تمكنه وحِذْقه في هذا الفن جدًا، بحيث كدت أقدمه علي الشهاب ابن حجر مطلقًا!!
ثم نظرت: فإذا بينهما عموم وخصوص!! والزيْن عندي مقدم علي الشهاب في معرفة وجوه الإعلال علي طريقة حذاق الصنعة من متقدمي أئمة هذا الفن!! أما مطلق الحفظ وسعة الإطلاع وخدمة الفن: فهذه أشياء مسلمة - عندي- إلى الشهاب أبي الفضل! لا يلحقه في ذلك أحد ممن جاء بعده إن شاء الله؛ بل إن المحدثين - مما جاءوا بعده - عيال عليه في مجموع تلك الأمور كما أشار إلى ذلك الجلال الأسيوطي في ترجمة الذهبي من (طبقات الحفاظ) وقرن معه: (المزي، والذهبي، والعراقي).
وأين هؤلاء من أفْنَاء أهل هذا الزمان؟! وغيرهم ممن ترى أحدهم ينتفَّخ ويتفنَّج حتى يكاد يملأ السِّكَّةِ!! إذا رأى نفسه حرَّر مسئلة من مسائل الفن!! أو تعقَّب على كبير من السابقين الأولين الراسخين في دراية هذا العلم!!
ولو قيل له: انْسُبْ لنا الزهري؟! لتعلثم!! أو اذْكر عشرة من مشاهير أصحابه؟! لتحيَّر وما تكلم!!
أو قيل له: من هو وارث علم الزهري؟! لعبث بلحيته وسَعَل!! أو اذْكُر لنا من هو ابن شهاب الصغير؟! لضاقت عليه الأرض بما رحبت؛ لما يراه من وقْعِ الأسَل!!
فأيش هذا التناطح و لمَّا يَبْدُ لك قَرْن!! وعلام ترمي بنفسك وسط أتُونٍ معركة لا ينجو منها إلا من عرف قدْر نفسه!! وكأني بك وقد ناداك المنادي:
يا غاديًا بين الأسِنَّة والقَنَا ... أشْفِقْ فإني أشمُّ عليك رائحةَ الدم!! وعود على بدء فنقول: وبما مضى يتبين للناقد ضعف متابعة فضيل بن عمرو لطلحة بن يحيى على هذا الحديث، وأن الظاهر أن فضيل قد أخذه من طلحة ثم دلسه وأسقطه من الإسناد! ويؤيِّد هذا أن فضيلا لم يذكر سماعه من عائشة بنت طلحة لهذا الحديث!
فإن قلتَ: كيف يصح هذا والفضيل لم يصفه أحد بالتدليس قط! ولا يُعرف له خبر قد دلَّس فيه!
قلتُ: قد قال الإمام المعلمي اليماني في مقدمته على (الفوائد المجموعة/للشوكاني) [ص/11 - 12/طبعة المكتب الإسلامي]: (إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنّهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقًا حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر، فمن ذلك: إعلالهم أن راويه لم يصرّح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس .... ).
ثم ذكر عدة أمثلة على ذلك إلى أن قال: (وحجتهم - أي الأئمة المحققون - في هذا: بأن عدم القدح في العلة مطلقًا إنما بنُيَ على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنّها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها .... ).
قلتُ: وهذا كلام جيد جدًا، وليس فيه حجة لأكثر المتأخرين الذين يرتقون مرتقًا شاقًا بمحاكاتهم نقّاد الصنعة الأوائل في هذا الضرب الغامض من إعلال تلك الأسانيد التي يكون ظاهرها السلامة!
¥