منها حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره، فشربه. متفق عليه (62). وفي لفظ لمسلم: شك ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عرفة، ونحن بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (63).
ومنها حديث ميمونة رضي الله عنها أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب (64) وهو واقف في الموقف، فشرب منه، والناس ينظرون. متفق عليه (65).
قال ابن حجر: " هذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفا عندهم، معتادا لهم في الحضر، وكأن من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرا، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل " (66).
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما العمل في أيام العشر أفضل منها في هذه "، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: " ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ". رواه البخاري (67).
وقد استدل الطحاوي بهذا الحديث على فضل صيام هذه الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة، ومنها يوم عرفة (68). وقال النووي مستدلا بهذا الحديث: "فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحبابا شديدا؛ لاسيما التاسع منها، وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله" (69)
القسم الثاني: شواهد خاصة للحديث.
وهذه الشواهد كثيرة، تنص على صوم يوم عرفة وفضله، وأكثرها لا تخلو أسانيدها من ضعف، لكنها بمجموعها تقوي الحديث،حتى إن الحافظ السيوطي عد هذا الحديث: حديث " صوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين " في الأحاديث المتواترة (70).
ومن شواهده:
1 - حديث سهل بن سعد. وأخرجه ابن أبي شيبة قال: حدثنا معاوية بن هشام عن أبي حفص الطائفي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صوم عرفة كفارة سنتين " (71) وعن ابن أبي شيبة أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده (72).
وهذا سند حسن. فمعاوية بن هشام صدوق (73)، وأبوحفص الطائفي هو عبدالسلام بن حفص، قال ابن معين: ثقة مديني (74)، وأبوحازم هو سلمة بن دينار ثقة عابد (75)، وسهل بن سعد صحابي شهير.
2 - حديث ابن عمر. وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (76) قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر قال: قرأت على فضيل عن أبي حريز أنه سمع سعيد بن جبير يقول: سأل رجل عبد الله ابن عمر عن صوم يوم عرفة، قال: كنا، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعدله بصوم سنة. وأخرجه أبويعلى في مسنده (77) عن ابن أبي سمينة عن معتمر به.
وهذا سند رجاله ثقات سوى أبي حريز فإنه عبدالله بن حسين الأزدي قاضي سجستان، قال فيه ابن حجر: صدوق يخطىء (78). ويظهر أنه أخطأ في ذكر عدله بسنة، والصواب أنه كفارة سنتين. وربما يكون هذا سبب استنكار النسائي هذا الحديث عقب تخريجه إياه فقد قال: أبو حريز ليس بالقوي، واسمه عبد الله بن حسين قاضي سجستان، وهذا حديث منكر. وقد يكون استنكاره بسبب ما ثبت عن ابن عمر من عدم صيامه هذا اليوم كما سيأتي تفصيله في المبحث الثامن، لكن يجمع بينهما أن عدم صيامه كان في الحج، والمستحب هو صيامه في غير الحج.
وأخرجه ابن حجر في الأمالي من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام يوم عرفة غفر له ما تقدم من ذنبه سنة، وما تأخر سنة ". ثم قال ابن حجر: " هذا حديث حسن رجاله موثقون إلا عبد الرحمن فكان من علماء أهل المدينة لكنه ضعيف في الحديث. وقد وجدت للحديث عن ابن عمر أصلا أخرجه الطبراني بإسناد جيد من رواية سعيد ابن جبير عن ابن عمر بلفظ " صوم يوم عرفة كفارة سنتين "، وهي متابعة ناقصة، ولذا حسنته " (79).
¥