3 - حديث عائشة. وأخرجه أحمد في مسنده (80) قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عطاء الخراساني أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة يوم عرفة وهي صائمة، والماء يرش عليها، فقال لها عبد الرحمن: أفطري. فقالت: أفطر، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن صوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله".
وهذا سند رجاله ثقات لكنه منقطع، فعطاء الخراساني عن عائشة مرسل كما قال ابن حجر، قال: ويحتمل أن يكون رواه عن عبد الرحمن لكنه لم يسمع منه، فيكون مرسلا أيضا (81).
4 - حديث عائشة. وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (82) قال: حدثنا محمد بن هارون حدثنا العباس ابن عثمان المعلم الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثني أبو داود سليمان بن موسى الكوفي حدثنا دلهم بن صالح عن أبي إسحاق عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال: اسقوني. فقالت عائشة: يا غلام اسقه عسلا، ثم قالت: وما أنت يا مسروق بصائم؟. قال: لا؛ إني أتخوف أن يكون يوم الأضحى. فقالت عائشة: ليس ذلك؛ إنما يوم عرفة يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام. أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بصيام ألف يوم.
قال ابن حجر: " رواته موثقون إلا أن في دلهم مقالا، والمستغرب منه العدد المذكور. وقد روى الفاكهي في كتاب مكة (83) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبيه عن عطاء قال: صيام يوم عرفة بألف يوم. وإسناده قوي، ومثله لا يقال بالرأي، فإن كان عطاء تلقاه عن عائشة فهي متابعة جيدة، ويجمع بينه وبين الخبر المشهور بأنه قصد بالألف المبالغة، والأصل سبعمائة وشيء، فجبر الكسر تجوزا، والله أعلم " (84).
فهذه شواهد صالحة للتقوية، وليس الأمر كما ذكر المعترض في قوله: " وقد ذكر لهذا الحديث شواهد قواه بها بعض أهل العلم، وهي منكرة الأسانيد. والأسانيد المنكرة لا يعتد بها مهما كثرت وتعددت، ولا يجوز أن يستشهد بأحاديث المجهولين ولا المتروكين ولا المتهمين " (85).
فقه الحديث
دل الحديث على استحباب صوم يوم عرفة، وهو قول عامة الفقهاء كما سيأتي تفصيله في المبحث العاشر. وظاهر الحديث يدل على أنه يستحب لكل أحد أن يصومه؛ لكن جمهور العلماء خصوا الاستحباب بغير الحجاج، أما الحجاج فاستحبوا لهم الفطر يوم عرفة وعدم الصيام (86)؛ لما يلي:
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه كان يوم عرفة في حجته مفطرا، كما في حديث أم الفضل وحديث ميمونة اللذين تقدم ذكرهما. وقد شرب أمام الناس، ليقتدوا به.
قال الطبري: " إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة؛ ليدل على الاختيار للحاج بمكة، لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة " (87).
2 - أن الفطر يقوي الحاج على وظيفة ذلك اليوم العظيم من الدعاء والتضرع. قال النووي: "المستحب للحاج فطر عرفة ليقوى على الدعاء، هكذا علله الشافعي والأصحاب. قال الشافعي في المختصر: ولأن الحاج ضاح مسافر. والمراد بالضاحي البارز للشمس؛ لأنه يناله من ذلك مشقة ينبغي أن لا يصوم معها" (88).
3 - أن الحجاج أو غالبهم مسافرون. قال الذهبي: " وقال عليه الصلاة والسلام: " ليس من البر أن تصوموا في السفر " (89)، والأفضل للمسافر إفطار صوم الفرض؛ فالنافلة أولى" (90).
وقد روى أبوداود في سننه (91) حديثا في النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة قال: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري حدثنا عكرمة قال:كنا عند أبي هريرة في بيته، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة فرواه في صحيحه (92)، ولم يتعقبه بشيء. والراجح أنه حديث ضعيف؛ لأجل مهدي الهجري، فإنه مجهول كما قال ابن حزم، وابن حجر (93).
قال العقيلي: " لا يتابع عليه. وقد روي عن النبي عليه السلام بأسانيد جياد أنه لم يصم يوم عرفة، ولا يصح عنه أنه نهى عن صومه، وقد روي عنه أنه قال: " صوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة " (94).
وبهذا القول الذي قاله جمهور العلماء تجتمع الأدلة الواردة في هذا الباب.
¥