تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال المزي: "قال البخاري: لا يعرف لجابان سماع من عبد الله، ولا لسالم من جابان، ولا لنبيط. ثم قال المزي منتقدا: وهذه طريقة قد سلكها البخاري في مواضع كثيرة، وعلل بها كثيرا من الأحاديث الصحيحة وليست هذه علة قادحة. وقد أحسن مسلم وأجاد في الرد على من ذهب هذا المذهب في مقدمة كتابه بما فيه كفاية " (141). وبمثل هذا أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر (142).

ولهذا لم ينتقد الدارقطني وغيره مسلما في إخراجه هذا الحديث وأمثاله مماهو على شرطه في الاكتفاء بإمكان اللقاء بين المتعاصرين في السند المعنعن بضوابطه، وعدم اشتراط ثبوت اللقاء في صحة السند؛ إذ لا وجه لانتقاده في تصحيح أحاديث ينطبق عليها شرطه الذي نافح عنه واجتهد في إثبات صحته في مقدمة صحيحه إن كان سبب انتقادها هو هذا الشرط. وإنما يصح انتقاد مسلم إذا خرج أحاديث لها علة، يسلم مسلم نفسه بأنها علة، وهذا ما فعله الدارقطني في غالب انتقاداته. ولم ينتقد الدارقطني مسلما في سند معنعن لم يثبت فيه لقاء المعنعِن بمن عنعن عنه إلا إذا كانت هناك قرينة تدل على عدم سماعه. ومسلم يعمل بتلك القرائن، ولا ينازع فيها، وقد بين ذلك في مقدمة صحيحه بقوله: "إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا. فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا" (143). وبتأمل الأحاديث التي انتقدها الدارقطني على مسلم فيما يتعلق بهذه المسألة يظهر أن الدراقطني كان يعتمد في نقده ذلك على القرينة (144).

المبحث الثالث:

رد إعلال الحديث بدعوى ركاكة ألفاظه

قال المعترض في وجوه ضعف الحديث: " الوجه الثاني بأنه معلول بركاكة الألفاظ التي يجزم بأنها ليست من ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي أتي (145) فصاحة الألفاظ وحسنها " (146).

وقال المعترض أيضا: " وفي هذا الحديث أيضا من الألفاظ الركيكة والمضطربة التي يجزم بأنها ليست من ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم وحسن الألفاظ، فتذكر هذه السؤالات بهذه الطريقة، والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب عليها ويتردد فيها، ويتردد عن الصوم كلفظ " فسئل عن صيام الدهر، فقال: " لا صام ولا أفطر" أو " ما صام وما أفطر " قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم، قال: " ومن يطيق ذلك؟! " قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين، قال: " ليت أن الله قوانا لذلك ". قال المعترض: والنبي صلى الله عليه وسلم قواه الله تعالى على الصوم كما ثبت ذلك عنه في الأحاديث الصحيحة على ذلك وحتى الوصال، وهذا يرجح شذوذ هذه الألفاظ " (147).

فالمعترض يزعم أن هذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه ركيك الألفاظ ويجزم بأنها ليست ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم. يقول هذا وكتابه مليء بالأخطاء النحوية والإملائية والإنشائية على نحو ينفر القارىء ويزعجه (148)، فهل يستطيع باحث على هذه الحال أن يحكم على حديث بركاكة ألفاظه؟! فكيف إذا حكم على حديث في صحيح مسلم بركاكة ألفاظه وجزم بأنها ليست ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم، وضعف الحديث بذلك، فهل يقبل حكمه، وهو لم يسبقه إلى القول به أحد من العلماء (149)؟!.

قال السخاوي: "اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله. ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعني (150)، فالله تعالى بلطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالا نقادا تفرغوا له وأفنوا أعمارهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله ورجاله ومعرفة مراتبهم في القوة واللين، فتقليدهم والمشي وراءهم وإمعان النظر في تواليفهم وكثرة مجالسة حفاظ الوقت مع الفهم وجودة التصور ومداومة الاشتغال وملازمة التقوى والتواضع يوجب لك إن شاء الله معرفة السنن النبوية ولا قوة إلا بالله" (151).

وقال ابن حزم: "لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون " (152).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير