حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الحر بن الصباح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر والخميس. قال الألباني: إسناده صحيح (220).
والراجح أنه حديث ضعيف؛ لاضطرابه. وممن ذكر وجوه الاختلاف فيه الدارقطني في علله (221). وممن ضعفه وأشار إلى اضطرابه الزيلعي (222). ويؤيد ضعفه أنه ثبت في صحيح مسلم (223) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط". وقد حاول بعض العلماء الجمع بين الحديثين فقال: "نفي عائشة صومه العشر لا يلزم منه عدم صيامه؛ فإنه كان يقسم لتسع، فلم يصمه عندها، وصامه عند غيرها. قال المناوي: كذا ذكره جمع، وأقول: ولا يخفى ما فيه؛ إذ يبعد كل البعد أن يلازم في عدة سنين عدم صومه في نوبتها دون غيرها، فالجواب الحاسم لعرق الشبهة أن يقال: المثبت مقدم على النافي على القاعدة المقررة عندهم " (224).
وعلى كل حال فعدم صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في غير الحج لا يعل به حديث أبي قتادة في الحث على صومه، لما تقدم ذكره من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك العمل المستحب لأسباب.
ولهذا فإن ابن خزيمة بعد أن روى حديث عائشة السابق عقد بابا موضحا فقال:
"باب ذكر علة قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك لها بعض أعمال التطوع، وإن كان يحث عليها، وهي خشية أن يفرض عليهم ذلك الفعل مع استحبابه صلى الله عليه وسلم ما خفف على الناس من الفرائض" (225).
وقال الطحاوي ردا على من تساءل عن سبب تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم في هذه الأيام مع ما فيها من الفضل: "يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم فيها على ما قالت عائشة رضي الله عنها؛ لأنه كان إذا صام ضعف عن أن يعمل فيها ما هو أعظم منزلة من الصوم، وأفضل منه من الصلاة ومن ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن، كما روي عن عبد الله بن مسعود في ذلك مما كان يختاره لنفسه. ثم روى بإسناده عن عبد الله بن مسعود أنه كان لا يكاد يصوم، فإذا صام صام ثلاثة أيام من كل شهر، ويقول: "إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إلي من الصوم". فيكون ما قد ذكرته عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم من تركه الصوم في تلك الأيام؛ ليتشاغل فيها بما هو أفضل منه، وإن كان الصوم فيها له من الفضل ما له مما قد ذكر في هذه الآثار التي قد ذكرناها فيه. وليس ذلك بمانع أحدا من الميل إلى الصوم فيها، لاسيما من قدر على جمع الصوم مع غيره من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله" (226).
وقد كرر المعترض إعلال الحديث بعدم عمل النبي صلى الله عليه وسلم به فقال في وجوه ضعف الحديث:"الوجه السابع: بأنه معلول بالضعف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحرى (227) في السنة إلا صوم يوم عاشوراء فقط" (228)
واستدل المعترض بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان متفق عليه (229).
قال المعترض: " وهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتحرى فضل صوم يوم عرفة، بل كان يطلب فضل صوم يوم عاشوراء على غيره من الأيام، وهذا نص صريح، ولا اجتهاد مع وجود نص" (230).
والجواب عما ذكره بالإضافة إلى ما سبق ما أجاب به ابن حجر عن ذلك فقال: " قوله: ما رأيت إلخ، هذا يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان، لكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره. وقد روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعا أن صوم عاشوراء يكفر سنة، وأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين، وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء. وقد قيل في الحكمة في ذلك: إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان أفضل " (231).
وقال الألباني: " التعارض بين نفي ابن عباس فضل يوم غير عاشوراء، وإثبات غيره كأبي قتادة الأمر فيه هين؛ لما تقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي" (232).
¥