تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما أثر الزبير بن العوام رضي الله عنه فأخرجه الطبري قال: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبدالرحمن ابن مهدي حدثنا شعبة. وحدثنا عثام بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: "ما شهد أبي عرفة قط إلا وهو صائم" (245).

وهذا سند صحيح عن الزبير، رجاله كلهم ثقات.

وأما أثر عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فأخرجه ابن أبي شيبة قال:

حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا حميد الطويل قال: ذكر عند الحسن أن صيام عرفة يعدل صيام سنة، فقال الحسن: "ما أعلم ليوم فضلا على يوم، ولا لليلة على ليلة إلا ليلة القدر؛ فإنها خير من ألف شهر، ولقد رأيت عثمان بن أبي العاص صام يوم عرفة يرش عليه الماء من إداوة معه يتبرد به" (246).

وهذا سند صحيح عن عثمان بن أبي العاص، رجاله كلهم ثقات، وله طرق أخرى خرجها الطبري (247) وغيره (248).

قال ابن عبدالبر معلقا على هذا الأثر: "وهذا يحتمل أن يكون بغير عرفة أيضا" (249). ولهذا ذكره ابن أبي شيبة في باب ما قالوا في صوم يوم عرفة بغير عرفة (250).

وأما أثر عبد الله بن الزبير فأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الحج - من كان يفطر بعرفة قبل أن يفيض (251) قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن الزبير أنه كان إذا أراد أن يفيض دعا بإناء ثم شرب فأفاض.

وهذا سند صحيح عن ابن الزبير (252) رضي الله عنه، رجاله كلهم ثقات.

فهؤلاء أربعة من الصحابة ثبت عنهم صوم يوم عرفة (253) فكيف يعل المعترض الحديث بأن الصحابة لم يصوموا يوم عرفة؟

والعجيب أن المعترض ذكر الآثار الثلاثة الأولى لكنه حملها على صوم يوم عرفة بعرفة وقال: "وأما في غير عرفة فلم يثبت لأحدهم بأنه صامه. فالخلاف الذي وقع بين الصحابة في صوم يوم عرفة بعرفة، وأما في غير عرفة فلم يختلف الصحابة في عدم صوم يوم عرفة" (254).

والجواب أن ما ذكره غير مسلم له، فالوارد عن عائشة رضي الله عنها أنه كانت تصومه في عرفة وفي غيره كما تقدم قريبا، وكذلك ما ورد عن عثمان بن أبي العاص. ولو لم يرد إلا أنهم كانوا يصومون يوم عرفة بعرفة لغلب على الظن أنهم كانوا يصومونه في غير الحج أيضا، فما كانوا ليصوموه وهم حجاج مسافرون، ويتركون صيامه وهم مقيمون في بلادهم.

والآثار التي ذكرها المعترض، واستدل بها على أن الصحابة لم يكونوا يصومون يوم عرفة مطلقا لا في الحج ولا في غير الحج لم يصرَّح في شيء منها أن إفطارهم يوم عرفة كان في غير الحج. وأكثرها صرح فيها أن ذلك كان في الحج، والباقي اقترن به ما يدل على ذلك، والمستحب للحاج أن يكون مفطرا يوم عرفة كما تقدم تقريره في أول البحث.

ولا يفوتني أن أنبه على أن المعترض صحح آثارا، وهي ضعيفة في الواقع.

وفيما يلي ذكر الآثار التي استدل بها، ومناقشتها:

الأثر الأول:

نقله المعترض من تهذيب الآثار للطبري (255) من طريق محمد بن شريك أبي عثمان المكي عن سليمان الأحول قال: " ذكرنا لطاوس صوم يوم عرفة، وأنه كان يقال: " كفارة سنتين فقال طاوس: فأين كان أبو بكر وعمر عن ذلك؟، يعني أنهما كانا لا يصومانه ".

قال المعترض: "وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات" (256). ثم قال: "فهذا أبو بكر الصديق , وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا لا يصومان يوم عرفة؛ لأنه ليس من السنة صيامه، وحسبك بهما شيخا. ويوضح لك أن ذلك كان في غير الحج" (257).

أقول: كيف يكون السند صحيحا، وهو منقطع ظاهر الانقطاع. فطاوس هو ابن كيسان توفي سنة ست ومائة عن بضع وسبعين سنة (258)، وهذا يعني أن مولده كان في سنة سبع وعشرين أو ما بعدها من السنوات. فكيف يروي عن أبي بكر وعمر وقد توفيا قبل ولادته؟ ‍ وقد قال أبوزرعة الرازي: "طاوس عن عمر مرسل" (259).

ومع هذا الانقطاع الظاهر جزم المعترض بصحة الإسناد، وصحة الأثر، وصدر بهذا الأثر كتابه في أولى صفحاته تحت عنوان: ديباجة نادرة (260). بعد أن ذكر على غلاف الكتاب تضعيفه حديث مسلم، فيضعف الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه بانقطاع إسناده على نحو خفي لم يسلَّم له، ويصحح إسنادا منقطعا ظاهر الانقطاع لا يختلف على انقطاعه!.

والجواب عن استدلال المعترض بهذا الأثر من وجوه، وهي:

1 - أن الأثر لا يصح؛ لانقطاع إسناده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير