تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنهم عبدالرزاق في مصنفه (305) رواه عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجل عن ابن عمر قال: "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصم يوم عرفة وحججت مع أبي بكر فلم يصمه، وحججت مع عمر فلم يصمه، وحججت مع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه ".

ورواه كذلك عن سفيان الحميدي في مسنده (306)، ومحمد بن هارون القطان، وأخرج حديثه الطبري في تهذيب الآثار (307)،كلاهما (الحميدي ومحمد) عن سفيان به.

والراجح من الوجهين عن سفيان بن عيينة هو الأول أي عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عمر، لأن من رواه كذلك أكثر عددا، وفيهم من هو أحفظ ممن روى الوجه الآخر، ولأن الذي يظهر أن سفيان كان يروي الوجه الأول في أكثر أحيانه، وأما الوجه الآخر فرواه مرة، ولعل ذلك عن شك منه. دليل هذا أن الإمام أحمد بعد أن روى الحديث عن سفيان على الوجه الأول قال: وقال سفيان مرة: عمن سأل ابن عمر (308). يعني الوجه الآخر.

وبعد هذا يترجح الوجه الأول الذي اتفق عليه أربعة من الثقات وهم: ابن علية، وإبراهيم بن طهمان، وعمران بن مسلم القصير (309)، وسفيان بن عيينة يترجح على الوجه الذي رواه شعبة، فيكون الحديث صحيحا لاتصال سنده وثقة رجاله. وبهذا يتضح أن المعترض جانبه الصواب حين ضعف هذا الحديث؛ لأنه يخالف ما يريد الاستدلال به من أن ابن عمر كان ينهى عن صيام يوم عرفة، وأن الخلفاء الراشدين لم يكونوا يصومونه في الحضر. ولهذا ضعفه فقال: "والحديث بهذا اللفظ ضعيف غير محفوظ، وزيادة " وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه" غير محفوظة، وكذلك "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " والمحفوظ عن ابن عمر لا يأمر به ولا يصومه، وينهى عنه. فالحديث بهذا (310) الألفاظ غير محفوظ؛ لاضطراب متنه وسنده. إلى أن قال: والإسناد فيه واسطة بين أبي نجيح وبين ابن عمر، وهو الصواب. فهذا الحديث معلول لا يصح بهذا اللفظ، قد سمعه أبو نجيح من رجل لم يسمه عن ابن عمر، وهو ما بينه سفيان بن عيينة وشعبة بن الحجاج. ورواية سفيان الثوري المتقدمة هي الصحيحة في عدم ذكر الحج " (311).

والجواب أن الحديث صحيح، وليس فيه اضطراب لا في سنده ولا في متنه، والوجه الذي فيه الواسطة مرجوح فلا يعل به الوجه الصحيح كما سبق توضيحه.

وإذا كان المعترض يعتقد أن زيادة " وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه" غير محفوظة، وأن المحفوظ عن ابن عمر أنه لا يأمر به ولا يصومه، وينهى عنه، فلماذا حسن الأثر الذي يعارض ما يعتقد أنه محفوظ عن ابن عمر من النهي عن صيام يوم عرفة؟ وهذا الأثر أخرجه يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري أخبرني ابن أبي عطاء مولى لبني زهرة أنه صاحب عبد الله بن عمر في الحج، فلما كان يوم عرفة أصبح ابن أبي عطاء صائما، وأصبح عبد الله بن عمر مفطرا فقال له عبد الله بن عمر: ترى مالك عن الغداء؟. قال: إني صائم. فسكت عبد الله بن عمر فقال ابن أبي عطاء: كيف ترى يا أبا عبد الرحمن في صيام هذا اليوم؟ فقال له عبد الله بن عمر: أما أنا فلا أصومه. فقال له ابن أبي عطاء: فأفطر؟ فقال له عبد الله بن عمر: أتريد أن تقول إن ابن عمر أمرني بالفطر؟. قال ابن أبي عطاء: فأفطرت فلم ينهني، ولم يعب ذلك علي (312).

قال المعترض: "أثر حسن. وهذا سند حسن" (313).

ولا يوافق على تحسينه؛ فإن جرير بن أبي عطاء مجهول. قال الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: قد روى الزهري عن شيخ يقال له: جرير بن أبي عطاء. قيل ليحيى: من جرير هذا؟. قال: لا أدري (314). وقال ابن عدي: "وجرير بن أبي عطاء هذا الذي يروي عنه الزهري ليس بمعروف، ولا يروي عنه حديثا مسندا، ولعله حدث عنه بمقطوع أو مقطوعين" (315).

والمقصود أن المعترض حسن هذا الأثر، واستدل به على أن ابن عمر ما كان يصوم يوم عرفة في الحج فيلزمه الاستدلال ببقيته التي فيها أن ابن عمر لم ينهه عن الصيام، بل تحرج من أن ينسب إليه أنه أمره بالفطر، وهذا يعارض ما يعتقد المعترض أنه محفوظ عن ابن عمر من أنه كان ينهى عن صيام ذلك اليوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير