وليس توهيم أهل الاتقان بمجرد مطلق المخالفة: مما يأتي على ميزان أهل الحِذْقِ من أرباب هذا الفن اللطيف!
وقد كان ربما يصح لنا معارضة المخالف هنا - على سبيل المقابلة - بقولنا له: ومن أين أدركتَ أن الذين الثقات الذين خالفوا عبد الأعلى في زيادة ذلك الحرف لم يسمعوه من ابن أبي عروبة أصلا! ثم تركوا ذكره لما عُلِم بين دهماء أهل الحديث من كون (أبي قتادة)؟ عند الإطلاق هو الصاحب الأنصاري؟
ويقال له أيضًا: هل تستطيع أن تجزم بنفي احتمال أنهم كلهم ربما ذكروا تلك النسبة (يعني: الأنصاري) في روايتهم، ثم أغفلها من أغفلها ممن دونهم من الرواة، لذلك الأمر الذي سطرناه آنفًا!
فإن نشط المعترض قائلا: بل أجزم بذلك لعدم وروده مسطورًا عنهم في تلك الروايات التي وقفنا عليها لهم بين أيدينا؟
ونقول له: ومن أين صح لك أن عدم علمك دليل العدم؟ فربما وقع ذلك عنهم في بعض تلك القناطير المقنطرة من المسانيد والأجزاء الحديثية التي صارت في غياهب الفُقْدان! أو لم تظهر بعدُ في عالم الإمكان؟
وكم من حديث كان يجزم المتأخر: بكون فلان قد تفرد به، أو أن فلانا المدلس لم يذكر فيه سماعًا، بناء على ما رآه مما وقع بين يديه من الدفاتر! ثم تراه ربما يرجع عن ذلك الجزم بما رآه حديثًا في بعض الكتب الحديثية مما ظهر في عالم الوجود بعد أن كان لا يعرف عنه سوى اسمه وحسب!
والأمثلة في هذا الصدد كثيرة عندي. وليس الإتيان عليها أو بعضها من شرطنا في هذا المبحث.
ونحن بحمد الله: في غنية وكفاء عن التصدي للمخالف بمثل تلك المعارضات هنا! لأنها قائمة على الظن غير المتيقَّن عندنا! فضلا عن أنه مما لم يكلفنا الله باتباع آثاره.
ونحن لا نحتج في شريعة الله: إلا بما استبان لنا كفَلَقِ الإصباح، أو أسفر علينا كنور الصباح.
ولسنا نتعلل في رد زيادات الثقات فيما لم يظهر البرهان القاطع على خطأهم فيه = بمخالفة غيرهم لهم بِغُفْلان ما حفظوه وأثبتوه من مأثور الكلمات والألفاظ!
ثم نعود ونقول: فكيف ولم يتفرد ابن أبي عروبة بزيادة تلك النسبة في حديث قتادة أصلا!
بل تابعه عليها: شيخ الإسلام حماد بن سلمة أيضًا! فرواه عن قتادة عن غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري ببعضه مختصرا ... أخرجه ابن عدي وغيره.
وليس يخفى علينا: ما ذكره أئمة أهل النقد في رواية حماد عن قتادة! ولذلك لم نستجز لأنفسنا التعويل عليها في هذا الباب دون غيرها، وإنما ذكرناها من باب التوكيد والتأكيد والمتابعة.
بل مماثلة تلك الرواية لرواية من روى الحديث عن قتادة بإثبات نسبة أبي قتادة = يدل على حفظ حماد لها كما تلقاها من فم قتادة، وأنه حفظ الحديث منه كما سمعه.
فالحاصل: أن زيادة تلك النسبة ثابتة في رواية قتادة لا محالة!
وقد سبق في كلام المخالف: أن قتادة هو أقدم من روى هذا الحديث عن غيلان بن جرير، وهو كما قال، فينبغي عليه أن يعاود النظر في رواية هذا الإمام الحافظ الحجة بغير تلك العين التي تعوَّد أن ينظر بها إليه في ذلك الحديث خاصة!
ونزيد المخالف من الحجة ما يفيض عن الكيل: بأن تلك النسبة لم ينفرد بها قتادة هو الآخر؟ بل هي ثابتة:
1 - في رواية غير واحد عن شعبة بن الحجاج عن غيلان بن جرير.
2 - وكذا ثابتة في بعض الروايات عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير. كما وقع عند البيهقي.
ثم نعود مرة أخرى: لدعوى من زعم أن شعبة بن الحجاج قد لقَّن غيلان بن جرير تلك النسبة في روايته! وعن رواية شعبة تلقَّف من تلقف زيادة تلك النسبة في روايته!
ونسي ذلك القائل: أنه جزم من قبل بأن قتادة هو أقدم من سمع الحديث من غيلان، وقد ثبتت تلك النسبة في روايته كما مضى، فكيف يستقيم له بعد ذلك دعوى التلقُّفِ هذه؟
ومن أين له: أن غيلان كان لا ينسب أبا قتادة في إسناد حديثه؛ فضلا عن أن يكون لا يعرف حقيقة شيخ شيخه؟!
أما الأول: فيجاب عليه بأن غيلان قد ذكر تلك النسبة لقتادة ومهدي بن ميمون، فحفظها من حفظها عنهما، وأغفلها من أغفلها!
وليست غفلة الغافل بحجة على يقظة الحافظ! وقد مللنا من تقرير ذلك في كل مرة!
بل الظاهر: أن غيلان نفسه هو الذي كان يأتي من تلك النسبة ويذر في بعض الأوقات! وليس الأمر ممن دونه على التحقيق.
¥