تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أنَّ من حسن العزاء أنَّ هؤلاء العلماء -رحمهم الله- أحياءٌ بعلمهم وتراثهم وتلامذتهم، باقون بذكرهم وآثارهم التي خلفوها من كتبٍ قيِّمة جليلة ومؤلفات مفيدة، وخاصة فقيدنا العلامة الشيخ بكر أبو زيد؛ فقد كان زاخر الإنتاج، واسع العطاء، ترك لنا ثروة علمية جليلة القدر باقية الذكر عظيمة الأجر، تزيد عن ستين مؤلفاً في شتى الفنون: علوم الشريعة واللغة العربية والتاريخ والتحقيق والمعارف العامة, تمتاز بالدقة في البحث، والتجرد للحق، والجزالة في الأسلوب، وقوة البيان وسحره، كما تميَّز منهجه بالمعاصرة والتعرض للمشكلات الحديثة والمسائل المستجدة، وله كتاب ((فقه النوازل)) ثلاثة مجلدات، فيه خمس عشرة قضية فقهية مستجدة، من مثل: التقنين والإلزام، والمواضعة في الاصطلاح، وأجهزة الإنعاش وعلامة الوفاة، وطفل الأنابيب، وخطاب الضمان البنكي ونحوها. كما تعرض لمسائل وقضايا مهمة تتعلق بالدعوة ومناهجها وأخطاء الدعاة والمزالق التي وقعوا فيها، من مثل: ((حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية))، و ((تصنيف الناس بين الظن واليقين))، و ((التعالم وأثره على الفكر والكتاب))، و ((براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة)). ومن أحسن كتبه في موضوعه: ((حلية طالب العلم))، وقد شرحه غيرُ واحد من أهل العلم، منهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- وأثنى عليه. وتضيق هذه المقالة المختصرة عن استعراض جميع كتبه ومؤلفاته.

من ملامح منهج الشيخ في الدعوة إلى الله:

الشيخ بكر أبو زيد –كما أشرت- علم من أعلام السنة والفقه والفكر الإسلامي، وهو من أبرز أئمة الدعوة المعاصرين في الجزيرة، ويتميز منهجه الدعوي في التعامل مع الآخرين بالعدل في الحكم على المخالف، والشهادة والاعتراف بما أحسن فيه وأجاد ووافق فيه الحق، وتحرير محل النزاع والابتعاد عن الإجمال والإبهام والتهويش على المخالف، وحسن الظن بالمسلم وحمل كلامه على ما أراد، دون تحميل كلامه ما لا يحتمل، والحرص على أن يكون القصد من الحوار جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، والمحافظة على بقاء الولاء والمناصرة!.

هذا مجمل منهج الشيخ في الدعوة والحوار والتعامل مع المخالفين، وإنه لمنهج أصيل حكيم موزون رسم الشيخ -رحمه الله- خطوطه العريضة ومعالمه الهادية بدقة ووضوح، لو أخذ به شباب الدعوة وأهلها لصانوا الدعوة من التشقق والتصدع، وبلغوا بها غايتها بحسب السنن الإلهية.

إن العطاء الباهر والإنتاج الزاخر الذي ورَّثه الشيخ لم يأت من فراغ -خاصَّة أنَّ الشيخ لم يعمَّر طويلاً، فهو لم يتجاوز الرابعة والستين- وإنما جاء ثمرة كدٍّ واجتهادٍ، وطريقٍ طويلٍ حافل وصبرٍ عجيبٍ –بالنسبة إلى أبناء هذا الزمان- في الطلب، وأخلاقٍ عالية وشمائل كريمة، أسس بنيانها أسرةٌ ملتزمة مؤمنة ذات ثراء ونسب عريق، عاش في أحضانها ودرج في مرابعها الفقيد رحمه الله، فهو بكر بن عبد الله أبو زيد، من قبيلة بني زيد القضاعية المشهورة في حاضرة الوشم، وعالية نجد، وفيها ولد عام 1365هـ.

نشأة الشيخ وطلبه العلم:

نشأ الشيخ الفقيد –رحمه الله- نشأة كريمة في بيت صلاح ودين وعلم، والبيت هو المدرسة الأولى، ثم درس في الكتّاب، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية، وأكملها في مدينة الرياض، حيث واصل جميع مراحل التعليم الابتدائي، ثم المعهد العلمي، ثم كلية الشريعة، ثم المعهد العالي للقضاء، وكان بجانب دراسته النظامية يتلقى العلم عن عدد من المشايخ، فأخذ اللغة عن الشيخ صالح بن عبد الله بن مطلق القاضي المتقاعد في الرياض، وكان يحفظ من مقامات الحريري خمساً وعشرين مقاماً بشرحها لأبي العباس الشريشي، وقد ضبطها عليه، وأخذ عنه علم الميقات، وحفظ منظومته المتداولة على ألسنة المشايخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير