تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اللذينِ تقوم عليهما الشخصية، وهذا هو ما لا نُريد أن يكونَ. نريد أن يظل هذا التمييز بين ما هو إسلامي وبين ما هو طارئ مستجلب – شرقيًّا كان أو غربيًّا – حيًّا في نفوس الأجيال الصاعدة والتالية، وهي أمانة تلقَّاها جيلنا عمن قبله، ولا بد أن يحملها إلى من يجيء بعده.

الفصل الثالث: الأفغَاني ومحمّد عَبده:

الاهتمام بالأفغاني ومحمد عبده يَسْتَنِدُ إلى اعتبارينِ: أولهما: هو أنَّ الصورة الشائعة المعروفة عنهما بين الناس تخالف حقيقتَيْهِما، وهذه الصّورة الشائعة تستمِدُّ وجودها وقوتها من الدعاية الدائبة التي لا تَفْتُر، والتي تسهر عليها قوى ومؤسسات قادرة ذات نُفُوذ. ولذلك كان الكشف عن حقيقتيهما محتاجًا إلى مجهود كبير، وإلى مزيدٍ من الدَّأب يُقابل دأب الدعاية المبذولة في تدعيم مكانيهما. وثاني هذينِ الاعتبارين: هو أنَّ جلاءَ حقيقة الرجُلينِ يتبعه جلاء حقيقة كثير من الأوهام التي تأصلتْ في نفوس الناس تبعًا لاستقرار شُهْرتَيْهِما فيها، فكشف الستر عنهما هو في الوقت نفسه كشفٌ للستر عن أباطيلَ كثيرةٍ ترتبطُ بهما، وتستمدُّ قوتها وبريقها الخَدَّاع من شُهْرَتَيْهِمَا، ومن ارتباطِها بهما.

أول ما يَريبُ الباحث في أمر الأفغاني تعميتُه أصلَه ونسبَهُ، فقد زعم أنه أفغانيُّ سُنِّي، ثم أثبت البحث الحديث بأدلَّة لا تَقْبَل الشكَّ أنه كان إيرانيًّا شيعيًّا، وزعم أنه شريف النسب، حسيني الجد، وهو زعْمٌ لم يقم عليه دليل، والذي يكذب على الناس في بلده خليق أن لا يصدق في نسبه.

أما الأدلَّة على أنه إيراني شيعي، فهي صريحة متعدّدة في الكتاب الذي ألَّفه ابن أخته ميرزا لطف الله خان، الذي كان يلازمه في زياراته لإيران. وقد مات ابن أخته هذا سنة 1340 هـ (1921 – 1922م) فعهد ابنه صفات الله الأسد بادي إلى حسين كاظم زاده بنشره، فنشره في برلين لأول مرة سنة 1344 هـ (1926 م)، حيث كان يقيم وقتذاك. ثم ترجم الكتاب إلى العربية سنة 1957م تحت عنوان "جمال الدين الأسد بادي". وقد أثبت المؤلِّفُ والمترجمان بأدلَّة كثيرة أنَّ جمال الدين كان إيرانيًّا من أسد آباد (بالقرب من همذان)، وكان شيعيًّا. ولم يكن أفغانيًّا من أسعد أباد (من أعمال كابل بأفغانستان)، وكما لم يكن سنيًّا حنفي المذهب، على ما كان يزعمه وعلى ما هو مشهور حتى الآن بين الناس. فبقية أسرته لا تزال في أسد أباد. وقد حقَّق نسبه وزار أسرته عنايت الله خان، عم أمان الله خان ملِك الأفغان الأسبق. واسم والده واسم خادمه يدلان على أنَّه شيعِيٌّ إيراني. فاسم والده (صفدر)، يعني (مفرق الأعداء)، وهي عند الشيعة صفة لسيدنا علي - رضي الله عنه - والاسم وقف على الشيعة، لا يتسمى به أحد من الأفغانيين. واسم خادمه الذي كان يلازمه دائمًا، والذي تركه بعد رحيله عن مصر في رعاية تلميذه محمد عبده، هو (أبو تراب)، وهي كنية سيدنا علي - رضي الله عنه - ولا وجود لهذا الاسم في غير إيران. ولهجة جمال الدين الفارسية تَقْطَعُ بأَنَّهُ إيراني، وأصدقاؤه المقربون الذين كانوا يلازمونه في الأستانة كانوا من الإيرانيين. وكان تفكيره دائمًا متجهًا إلى إيران، وإلى اتّخاذها مركزًا للجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها؛ كما يبدو من مقال له في "العروة الوثقى" [14] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn14).

وثقافة جمال الدين الفلسفية وتوسُّعه في دراسة المنطق وعلم الكلام، إلى جانب دراسة الفقه وعلم الأصول، هي الدراسة الشيعية التقليدية، التي تنمي ملكة الجدل وقوة الاستدلال. والدراسة السنية تتبع طريقًا آخر يقوم على دراسة الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة والأدب.

ولكن جمال الدين أخفى أصله الإيراني؛ لأنه كان يريد أن يخفي تَشَيُّعَه عن الناس في البلاد العثمانية التي تنقل فيها، وأهلها سنية حنفية كالأفغان. وقد استفاد جمال الدين من انتسابه للأفغان؛ لأنه أصبح بعيدًا عن سلطة ممثلي إيران وقناصلها في الخارج. وكان من السهل أن تَرُوج أفغانيته بين الناس في البلاد التي نزلها؛ لأن أفغانستان لم يكن لها تمثيل خارجي في ذلك الوقت، وكان للإنجليز نفوذ كبير فيها، فكانوا يرعون أتباعها في الخارج.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير