تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هذا القبيل أيضًا كتاب إبراهيم اللقاني إلى جمال الدين الأفغاني، الذي أرسله إليه من بيروت في 15 فبراير 1883 م الموافق 7 ربيع الثاني 1300 هـ حسب ما جاء في صدره، بتقديم التاريخ الميلادي على التاريخ الهجري [35] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn35). وقد بدأه بقوله: "إن راسل سواي حظيرة قدس مولاي، وأنا لم أفعل فلا عجب ولا عقوق، فإني أَخَصُّ خَشَمِ تلك الحظيرةِ، وأقربهم إلى قُدْسها، فأنا أشدُّهم خوفًا من مولاي، وأبعدُهم تصوُّرًا لعظمته، وما تصوَّرت غير العجز عن التصور. فكلما نَزع بي الوجد إلى المراسلة، غشيني من هذا التصور غاشٍ عمَّنِي هيبة ودهشة، وأفعمني ذُهولاً وغشية، حتى لا أعقلَ إلا العجز، ولا أعيَ إلا القصور، ولا أسمعَ إلا الزجر، ولا أبصرَ إلا الحطَّة، ولا أحسَّ إلا الضعف، ولا أجد إلا الحيرة؛ بل هذه كلها كلمات أكني بها عما يعروني حينئذ من الأحوال؛ كما يكنَّى بِما في الدنيا عما في الجنة".

وفي هذا الخطاب يعتذر إبراهيم اللقاني عما: "اقترفه من سوء الأدب بسبب الجرأة على إرادة مراسلة مولى لا تُطاولُ أعناقُ الحكماء موطئَ نَعْلِه في العَلْياء، مولى لا ندري هل هو يعلم الحكمة أم الحكمة تعلمه؟!، ولا نفقه مَنِ المعنى، ومن المَبْنَى منهما؟!، مولى لا نتحاشى أن نَقُول فيه: إن روح الطبيعة برزت في ثيابه؛ لتهدي عالمها إلى ما تريده من أسرارها".

والآراء السائدة في هذه الرسائل، والتي هي قدر مشترك بين الأستاذ وتلاميذه، من مثل كلام الأفغاني عن "جامعة الكون" و"ملكوت وحدانية الهيئة" و"متشخصات الطبيعة" وكلام المويلحي عن "روح الطبيعة"، وغلو محمد عبده في وصف الأفغاني بما لا يوصف به إلا الخالق جل شأنه، وجرأته على الملائكة والأنبياء، كل ذلك لا يكشف عن عقيدة سليمة أو إسلام صحيح.

وحكى شيخ الإسلام في الدولة العثمانية (حسن أفندي فهمي) عن الأفغاني حين كان في زيارته الأولى للأستانة أنه جعل النبوة صنعة، وسوَّى بينها وبين الفلسفة، وَأَمَرَ الوُعَّاظ في المساجد أن يهاجموه ويفندوا قوله، وانتهى الأمر بإجلائه عن الأستانة في زيارته الأولى لها، وسفره إلى مصر [36] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn36).

ولَمَّا تصدَّر الأفغانِيُّ في القاهرة للتدريس في الأزهر هاجمه علماؤه، وكان الشيخ عُلَيْش – وهو عالم من علماء الأزهر مغربي الأصل مشهور بتدينه وشدة غيرته على الإسلام – أعْنَفَهم في ذلك، فكان يروغ بِعُكَّازِه على جمال الدين وتلاميذه في صحن الأزهر، حتى انقطع عنه، وأصبح يجتمع بتلاميذه في بيته أو في قهوة البوستة.

هذه أقوالٌ لا تدعو إلى الاطمئنان لِظاهِرِ أمر الأفغاني، وتدعو إلى التنقيب عمَّا وراء هذا الظاهر. ومع ما أطلنا في الحديث عنه، فنحن لم نصل بعد إلى نتيجة محقَّقة، وغاية ما وصلنا إليه هو الدعوة إلى إعادة النظر في أمره، والتنبيه إلى أنه كان ذا أهداف سياسية خطيرة، تذكرنا بأهداف الباطنية وأساليبهم، وهي مسألة يدعو إلى التأمل فيها وتدبرها ما ذكره رشيد رضا في تاريخه، من أنَّ الأفغانيَّ ومحمد عبده كانا يهدفان إلى إخراج الإنجليز من مصر والسودان، أو إقناعهم بترك السودان، بتكبير شأن دعوى محمد أحمد للمهدوية، حتى إذا تيسر ذلك، وتم لهما هذا، ذهبا إلى السودان خفية، ونظما فيه قوة محمد أحمد، توسلاً إلى إنقاذ مصر بها، وتأسيس دولة قوية، يعتز بها الإسلام والشرق، وتتحرَّر شعوبهما من الرق (1: 380). وهذا كلام يذكرنا بقصة عبيدالله المهدي أول ملوك العُبَيْدِيِّينَ المشهورينَ باسم الفاطِمِيينَ، الذين كانوا يرسلون رسلهم إلى المغرب، حتى إذا مهَّدوا لهم الطريق، حضروا وأنشأوا دولتهم التي كانت تطمع في الاستيلاء على كل بلاد المسلمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير