تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد، فلا بد لي من أن أقف عند هذا القدر في الكلام عن جمال الدين الأفغاني، وأن أكتفي بتأكيد مسؤوليته عن إنشاء الدعوات السرية في المجتمعات الإسلامية الحديثة، وتشريع الاغتيال وسيلة لتحقيق أهدافها، وتصعيد الدعوةِ إلى الحرية، التي بدأت كما رأينا مع الجيل الأول، جيل الطهطاوي وخيرالدين، وهي دعوى تشمل الحرية والتحرُّر بكل معانيهما السياسية والفكرية والاجتماعية، وبكل ما تشتملان عليه من روح التمرد والانطلاق الذي يأبى كل قيد ويرفض كل موروث، ولو كان قَيْدَ الدين وميراثه وتقاليده. وذلك كله بالإضافة إلى سعيه لإفساد العقيدة الإسلامية، واستعانته بأعداء الإسلام على تحقيق أهدافه.

وإذا ذكر الأفغاني، فلابد – لاستكمال الصورة – من أن نذكر معه تلميذه محمد عبده، والذي نشر مذهبه وقدمه في صيغة مغرية جذبت إليها كثيرًا من المخدوعين بظاهرها.

تنقسم حياة محمد عبده الفكرية والسياسية إلى قسمين: يتميز أحدهما عن الآخر: القسم الأول هو الذي عمل فيه تحت إشراف الأفغاني، وكان فيه خادمًا لأهدافه، يرى بعينيه، ويفكر بعقله، ويكتب بوحيه، وذلك واضح في رسائله التي ما أكثر ما تجد فيها مثل قوله: "فتلقيت من الأمر الجديد أن أكون على مقربة من الضوضاء" [37] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn37)، أو قوله: "تلقيت من الأمر الجديد أن أنحو نحو الشرق، حيث مسيل الحادثات" [38] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn38)، أو قوله: "أُذِنْتُ أن أبعث لك ببعض القواعد التي ينبغي أن يُرْفَع البناء عليها" [39] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn39)، أو نحو ذلك مما يشهد أنه كان آلة في يده. ويتسم هذا الطور بالعنف، وفيه مما يريب، ما رابنا من الأفغاني.

والقسم الثاني من حياته هو الذي عمل فيه بعد عودته إلى مصر في ظل صداقة اللورد كرومر والمستر بلنت، ما تشهد به تقارير كرومر السنوية، وكتابه عن مصر الحديثة ( Modern Egypt)، وعن عباس الثاني، ومذكرات المستر بلنت ( My Diaries)، وكتابه "التاريخ السري للاحتلال البريطاني لمصر" ( The Secret History of the Brithes Occupation of Egypt)، وهي صداقة تركت أثرها في سلوك محمد عبده وفي آرائه.

يقول كرومر في تقريره السنوي عن عام 1905 في الفقرة (7)، التي كتبها بعنوان: "الشيخ محمد عبده". بمناسبة وفاته: "وكان لمعرفته العميقة بالشريعة الإسلامية، ولآرائه المتحرّرة المستنيرة، أثرها في جَعْل مشورته، والتعاون معه عظيمَ الجَدْوى". وضرب لذلك مثلاً فتواه المشهورة في ربح صناديق التوفير. ثم يقول، بعد أن يشبه دور محمد عبده في مصر بدور السيد أحمد خان في الهند: "والأيام وحدها هي التي ستكشف، عما إذا كانت الآراء التي تعتنقها المدرسة التي تزعمها الشيخ محمد عبده، سوف تستطيع التسرب إلى المجتمع الإسلامي. وأنا شديد الرجاء في أن تنجح في اكتساب الأنصار تدريجيًّا، فلا ريب أن مستقبل الإصلاح الإسلامي، في صورته الصحيحة المُبَشِّرَة بالآمال، يكمن في ذلك الطريق الذي رسمه الشيخ محمد عبده. وإن أتباعه ليستحقون أن يعاوَنوا بكل ما هو مستطاع من عطف الأوروبي وتشجيعه".

ويقول كذلك في تقرير سنة 1906، في الفقرة الثالثة، التي تكلم فيها عن الوطنية المصرية، بعد أن عرض لفكرة الجامعة الإسلامية، وللحزب الوطني المتشبع بها: "إلى جانب هؤلاء الذين يَدَّعُون لأنفسهم صفةَ الوطنية، تُوجَدُ جماعةٌ أُخْرَى من المصريين الذين لا يتمتعون بمثل شُهْرة الفريق الأول؛ ولكنهم لا يقلّون عن منافسيهم استحقاق لهذه الصفة، بالرغم من اختلافهم معهم في المنهج الفكري، وفي أسلوب العمل. وهذه الجماعة الصغيرة العدد، والآخذة في الازدياد، هي الحزب الذي يمكن أن أسميه على سبيل الاختصار بأتباع المفتي الأخير الشيخ محمد عبده [40] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn40)... وفكرتهم الأساسية تقوم على إصلاح النظم الإسلامية المختلفة، دون إخلال بالقواعد الأساسية للعقيدة الإسلامية. فهم وطنيون حقًّا، بمعنى أنهم راغبون في ترقية مصالح مواطنيهم وإخوانهم في الدين، ولكنهم غير متأثرين بدعوة الجامعة الإسلامية. ويتضمن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير