تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا هو رأي صديقيْنِ من ساسة الأوروبيينَ عَرَفَا محمد عبده وعَاشَرَاه عن قُرب، وهو متفق مع ما كتبه ساسة الغرب وباحِثوه عنه من بعد، لا يخلو كتاب من الكتب العديدة التي تناولت تطوّر الفكر الإسلامي في العصر الحديث مما يؤيده ويؤكده.

كان سبيل محمد عبده للقِيام بهذا الدور الذي يشجّعه الاستعمار هو الدعوةَ إلى فتح باب الاجتهاد، وهي دعوة لا أريد أن أعود للحديث عنها، اكتفاء بما قلته من قبل، ولكنني أريد أن أضيف إلى ما قلته أنَّ هذه الدعوة قد استُغِلَّتْ أوسع استغلال، في تطوير الإسلام والاقتراب به من قيم الحضارة الغربية، وأنَّ هذا التقريب المقصود، بين الإسلام وبين الفكر الغربي والحضارة الغربية، قد بلغ قمة التطرف، حين دخل محمد عبده في مفاوضات مع القسيس الإنجليزي إسحاق تيلور، للتقريب بين الإسلام والنصرانية، وهي المفاوضات التي أشار إليها رشيد رضا، وَنَشَرَ رِسالَتَيْنِ منها في الجزء الثاني من تاريخه، وبيَّن اشتراك اليهود فيها في الجزء الأول [46] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn46).

هذا هو الجديد في عمل محمد عبده في القسم الثاني من حياته: رعاية بعض الأفكار التي شهِدْناها وهي تُبْذَر في التربة الإسلامية بيد الطهطاوي وخيرالدين وجيلهما، والسهر على تطويرها برُوح، لا أقول كما قال: بلنت (حرة) أو (متحرّرة)، ولكن أقول: برُوح هادفةٍ، تسعى إلى الاقتراب بها من القيم الغربية. ولْأَذْكُر رؤوس هذه المسائل على سبيل التذكير: الوطنية الإقليمية، والعناية بالتاريخ القديم السابق على الإسلام – الدعوة إلى الحرية، وإلى الحياة النيابية، وإلى وَضْع دستور، يحدِّدُ حقوق الحاكم والمحكوم، وواجبات كل منهما – الدعوة إلى إعادة النظر في وضْع المرأة من المجتمع: في الحجاب، والحدّ من تَعدُّد الزوجات، الحدّ من حريَّة الطلاق. وكل هذه المسائل قد وَاصَل تلاميذُ محمد عبده مِن بَعْدُ تطويرَها؛ حتَّى بَلَغَتْ نِهايَةَ مَدَاهَا. فالوطنيَّةُ الإقليمية، والعناية بالتاريخ الفِرْعَوْنِي، والدعوة إلى الحرية، قد رعاها مِن بعدُ تلميذُه لطفي السيد، وبلغتْ نِهاية مداها على يد تلميذه سعد زغلول. وأصبح الجانبُ الفِكْرِي من الحرية مَوْضعَ صراع في العِقد الثالث من القرن العشرين؛ حين ظهر كتاب طه حسين "الشعر الجاهلي" وكتاب علي عبدالرازق "الإسلام وأصول الحُكْم"، وأصبح (الدستور) – وهو الجانب السياسيّ من الحرية – هو الموضوع الذي يدور عليه صراعُ الأحزاب في هذه الفترة وما تلاها. أمَّا شؤون المرأة فَقَدْ تَطَوَّرَتْ على يد قاسم أمين تلميذ محمد عبده، ولم يزل أبناء هذه المدرسة يرعون التطور؛ حتى تجاوز ما حدَّدَهُ له محمد عبده وقاسم أمين مِن حدود.

ومِنَ الحَقّ أنَّ الذي يقرأ مُحمَّد عبده في مثل مناظراته مع رينان ومع فرج أنطون، يُحِسُّ أنَّه كان يريد أن يُقيم سدًّا في وجه الاتجاه العلماني، يَحمي المجتمعَ الإسلامي من طوفانه. ولكنَّ الذي حدث – كما يقول حوراني في كتابه ( Arabic Thought in the Liberal Age,) – هو أن هذا السَّدَّ قد أصبح قنطرةً للعلمانية، عَبَرَتْ عليه إلى العالم الإسلامي، لتحتل المواقع واحدًا تلو الآخر، ثم جاء فريق من تلاميذ محمد عبده وأتباعه، فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى طريق العلمانية [47] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn47).

والذي يبدو لي هو أنَّ دعوة الأفغاني، التي رُبِّيَ محمد عبده في أحضانها كان لها – ككل الدعوات السرية – ظاهر وباطن، فظاهِرُها يخاطب الجماهير، وهو يصور ما يريد صاحب الدعوة أن يَعرِفَه جمهورُ المسلمين عنها، مِمَّا يُعجِبهم ويَقَع من قلوبهم موقعَ الارتياح والقبول. وباطنُها يُمثِّل حقيقتها، التي يخفيها أصحابها عن الناس، ولا يكشفون الستر عنها قبل أن تحقق أهدافها بالوصول إلى مركز السلطة. ومحمد عبده كان تابعًا لسيده الأفغاني أو خادمًا له - كما تَعوَّد هو نفسه أن يكتب إليه في بعض رسائله - والأفغاني كان يريد أن يُعيد الدورَ نفسَه الذي لَعِبَه الإسماعيليةُ من أصحاب الدعوات الباطنية، التي تتستَّر وراء التشيّع، وتتقرَّب إلى جمهور المسلمين بأنَّها تدعو إلى خلافة أهل بيت النّبوَّة. كان يريد أن يُعيد الدورَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير