تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و (بوزا) عند الشيخ محمد الجنبيهي رمزٌ لطه حسين ولمحمد عبده، ولكل مُعانِد يُصرُّ على الباطل، ويأبى التحول عنه، وهو كما يقول في صدر كتابه: "قطعة من خشبٍ وزنُها خفيف، وجِرْمُها صغير، لا قيمة لها، صَنَعَها صانعُها على هيئة قُبُل الرجال الموصوف بأنه عضو التناسل. ولقد رُكبت تلك القطعة على مُقَعَّر من رصاص ثقيل، لا تستطيع أن تتحول عن ذلك المركز الذي وُضِعَتْ فيه بحال من الأحوال، فتراها كلما أُلقِيَتْ فوق الأرض، كانت قائمة على هيئة الذَّكَر. وتسمى تلك القطعة في اصطلاح الفرنساويين (بوزا). وأما في اصطلاح المصريين (زِب الأرض). وقد ضَرَبَها عقلاءُ الأقدمين مَثَلاً لكل ضالٍّ حائرٍ مغرور ذي لَسَانَةٍ وسَفَه، فَقَدَ مزايا الأدباء، وشذَّ عن مناهج الفضلاء، متلبّسًا بعناد وإصرار شيطاني من حيث لا يشعر بما يقول، ولا بما يعمل، فلا تتوجه به أفعاله إلا إلى مخالفة الفضلاء، ومعارضة الأدباء بما لا يعلم عاقبته، ولا يستطيع أن يقيم على صحته دليلاً". (ص: 28).

وقصةُ طه حسين عند محمد الجنبيهي هي نفسُها قصةُ محمد عبده، في عمل الاستعمار وأعداء الإسلام على إعلاء شأنهما. "فالأسباب التي جعلت ابن عبده الغرابلي [51] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn51) محبوبًا لفحول السياسيين، ولولاة الأمور من الدول المتحالفة على مَحْوِ الإسلام اسمًا ورسمًا، وصيَّرتْهُ محمودًا عند محرري الجرائد الأورباوية؛ تتمدَّح باسمه، وتعتني بعمل تَذكار له، هي بعينها الأسباب التي يتناول بها أستاذ الجامعة المصرية مرتبًا كبيرًا بسبب شهادة الدكتوراه، التي نالها من أوروبا لسبب عداوته للدِّين ورجاله؛ حتى يكون إذا أَعلَوْا شأنه فتنةً لأبناء المسلمين" (ص: 35).

يروي الجنبيهي قصته مع محمد عبده وأستاذه الأفغاني فيقول:

"نشأتُ بعد بلوغ الرشد وطلب العلم في الأزهر الشريف مصاحبًا لتلميذ جمال الدين الأفغاني، ومحاذيًا له قدمًا بقدم بعدما أتى جمال الدين الديار المصرية. وكثيرًا ما جالستُ ذلك الرجل، وتذاكرتُ معه مذاكرات ذكرتُها في بعض الكتب. وما كان يدعوني إلى مجالسته إلا صاحبي، الذي كان يظن أن يجذبني إلى الميل إلى ما مال إليه من فتنة ذلك الفاتن. وكنت أطمع أن أكون سببًا في خلاصه من تلك الفتنة؛ ولكن الله غالب على أمره. ولقد كان الفارق بيني وبينه في الشؤون المُقَدَّرَة في سابقة الأزل أنه عاش في كَنَف أهل الطريق أعوامًا، لينتفعَ بأسرار ما دونوه في كتبهم من مُجرَّبات المتجرِّدين، الذين كانوا يريدون الانقطاع عن الأسباب، والاشتغال بما يُصلِح بينهم وبين ربهم. وكنت أنا في مبدأ أمري ميالاً لسبيل المسرفين [52] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn52). ولكني ما كنت أستطيع أن أَفِرَّ من معصيةٍ إلا بمانع إلهي قهري، ولا أعمل طاعة إلا بجاذب قوي. فكانت نهاية أمر ذلك الصاحب أنه أبغض أهل الطريق، لأن الله - سبحانه وتعالى - حَرَمَه من مزايا أسرارهم؛ لأن نيته في العمل ما كانت مشابهة لِنَوايا المتجرِّدين، فلما جَمَعَتْه المقاديرُ بجمال الدين الأفغاني، وسَمِعَ مِنْهُ الطَّعن على الصوفيَّة، وعلى أئِمَّة الدِّين، وعلى الخِلافة الإسلاميَّة، تَوَهَّم أنَّه العالِم الوحيد، فكان أوَّل تلميذ له، يجتمع عليه من صبيان الطلبة كُلُّ مَن كُتِبَ عليه الشقاءُ، وحَقَّتْ عليه كلمة العذاب" (ص: 38).

"وكان نهاية أمري أن تباعدتُ عن طريق المسرفين لأسباب سماوية. وتوجهتْ أميالي إلى ما عليه أهل الإيمان الصادق. وكان السبب في ذلك أنَّ المقادير جَمَعَتْ بيني وبين كثير من المرشدين بطرق قهرية، لا يسَعُ المقامُ ذكرَها، وقد كانتْ تصل إليَّ مدوَّنات الصالحين، وأدعية المرشدين وأورادهم ومواعِظُهم من غير طلب مني، ثم كانت تواجهني رجال الهداية والتوفيق بلا قصد ولا سابقة التَّفَكُّر، فكنتُ أنا وذلك الصاحب في النهاية على طرَفَيْ نَقيض. وكان كلٌّ منَّا يعلم ما عليه الآخر من حِفْظِ آداب الصحبة التي كنَّا عليها، وذلك - والله - من عجائب الأقدار، وغرائب الاقتدار، وأَظُنُّ أنَّ حكمة الله - سبحانه وتعالى - في استمرار تلك الصحبة وفَقْد التنافر، مع تبايُن الشؤون في الأعمال والعقائد، ما هي إلا أنْ يحيط كلٌّ منا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير