تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عِلمًا بأعمال الآخر؛ ليُحذِّر منها الذين اتَّبعوه، كما أنه ما سلك طريق الأبرار، ولم تَرُقْ في نظره إلا ليمقتهم، ويُنفِّر منهم كلَّ مَن حَكَمَتْ عليه المقاديرُ باتباعه. وما سلكتُ طريق المسرفين، ولم تَرُقْ في نظري ولا مالتْ إليها قابليَّتي إلا لأبغض أهلها، وأتباعد عنهم، وأقبِّح لمَن أحبني أعمالهم" (ص: 39).

ويقول الجنبيهي في سبب نفوره من الأفغاني، بعد أن روى الحديثَ القُدسيَّ: ((كنتُ كنزًا مخفيًّا، فأحببتُ أن أُعرَف فخلقتُ الخَلْقَ. فَبِي عرفوني)).

"ولقد كان لي في هذا الحديث القدسي مع جمال الدين الأفغاني واقعةٌ، كانت سببًا لعدم اتصالي به، مع شديد رغبته ورغبة تلميذه، الذي أشرنا إليه من قبل. وتلك الواقعة هي أنّي سألْتُه عن هذا الحديث، لعِلمي أنه يُنكر الأحاديثَ القدسية؛ لأنه طبيعي لا يعترف بوجودِ إله. وكنَّا في جَمْعٍ من الناس. فقال: ليس هذا وقت الكلام على هذا الحديث؛ فأمهلْني لوقت آخر. فاتَّفق من طريق الصُّدفة أني رأيتُه جالسًا وَحْدَهُ في مجالس اللاهين، في قهوة من القهاوي المجاورة لمنتزه الأزبكية، فجئتُه وهو واضعٌ طربوشَه على ترابيزة القهوة، وجالس وحده. فقلت له: هذا هو وقت الكلام على ذلك الحديث الشريف. فما كان جوابه إلا أن قال: ذهب فيلسوف إلى المنتزه في يوم العيد، فوجد الناس على حال مضحك، منهم مَن هو مخمور، ومنهم مَن هو لاعب، ومنهم مَن هو مرافق لامرأة مِن المومسات، ومنهم مَن هو راقص، ومنهم مَن هو مُتلبِّس بما لا يرتضيه أبناء البشر، فنظر ذلك الفيلسوف إلى السماء قائلاً: الآن وقعت الحسرةُ في قلبك، أهؤلاء كلهم عرفوك؟! فعند ذلك تغيَّر حالي وعَلِمتُ أنَّ الرَّجل ضالٌّ. فقلت له: إنَّ هذا الفيلسوف لأحمقٌ ومجنون. قال: ولمَ ذلك؟ قلتُ: لأنَّ مَن جَهِلَ ربَّه في الدنيا يعرفه فيما بعد الموت، ومَن جَهِله في الرخاء يعرفه في الشدة. فما ذلك الفيلسوفُ إلا ضائع العقل والدِّين، ثم تركتُ الرجل محزونًا؛ لأن فتنته لم تؤثِّر في قلبي أثرًا كان يريده، وكان ذلك الموقف آخر عهدي به" (ص: 119).

ويقول الجنبيهي في صلة محمد عبده باللورد كرومر وبالمستر بلانت، اللذَيْن عَمِلا كلاهما على إعلاء شأنه وذيوع صيته، توسلاً إلى تحقيق مخططاتهما، باتخاذه آلة لهذا الغرض:

"لما شَرَعَتِ القوَّةُ البريطانية في نفي الخونة العُرابِيّين [53] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn53)، ذلك النفي الصوري، كان نفي ابن عبده الغرابلي في البلاد الشاميَّة وحْدَهُ، ليَفتنَ فيها مَن أرادَ اللهُ فِتْنَتَهُ. فلما انقضت مدة النَّفْيِ، ورجع إلى الديار المصرية، كانت ثقة اللورد كرومر به أكْبَرَ ثِقة. فسكن في (منشيَّة الصدر) بعيدًا عن عيون الرقباء، وكانتِ الواسطة بينه وبين اللورد رجلاً إنكليزيًّا يسمى (بلنت) [54] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn54) كان يتزيَّا هو وزوجتُه بزيّ عرب البادية، وكان يُحِيطان عِلمًا بلغات القبائل العربية وأنسابِهم، وعوائدهم، وكانا يسكُنانِ في (عين شمس) قريبًا من (منشية الصدر). فلمَّا قَوِيَتْ رابطة التَّواصل بين ذلك الإنكليزي، وبين ابن عبده الغرابلي أعطاه قِطعةَ أرض من ملكه في (عين شمس)؛ ليكون له جارًا، وفي ذلك الحين اتَّخذه اللورد أستاذًا ومرشدًا يسترشد برأيه في كل عمل يطلبه في تنفيذ الغرض الذي أجمع عليه السياسيون، فكان الإصلاح الأزهريّ الذي ذهب بالدين وعِلْمِه النَّافِع أدراجَ الرياح من إشارات ذلك المفتون، وكذلك كان إصلاح المحاكم الشرعية ... وكان من مساعدة اللورد كرومر لِشَيْخِه ومُرْشِده أنْ ولاه مناصب القضاء الأهلي، حتى وصل به إلى وظيفة "مستشار". وذلك أمر من أعجب الأمور؛ لأنه لا يتولى ذلك المنصب إلا المتخرِّجون في المدارس الأهلية النظامية، وما سَمِعْنا بطالب عِلم يلبَسُ ثوبًا رثًّا ونَعْلاً بالية، بالصورة التي صوَّره بها بعضُ الإنكليز، يتولَّى منصب المستشارين بغير استحقاق، إلا مُرشد اللورد. ثم عيَّنَهُ مُفْتِيًا بالديار المصرية، ليكون له الحق في التدخل في شؤون الأزهر [55] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn55)، الذي أجمع السياسيون على إخرابه. وهناك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير