تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ابتدأَتْ بلايا (زب الأرض) في الظهور. فكان كلُّ مَن أراد أن يلتحق بالمناصب العالية، يتظاهر بازدراء الدين ورجاله، ويكون كزب الأرض في ثَبَاتِه على تمثيل هيئة العناد والإصرار، بعدم الانقياد لأي واعظ كان من النصحاء". (ص: 50 إلى 52).

ويذكر الجنبيهي مهاجمة محمد عبده للتصوُّف ورجاله، ويعلل ذلك بأن محمد عبده قد فعل ذلك خِدْمة للاستعمار الفرنسي، الذي كان رجال التصوف مِن المغاربة هم الذين يحملون راية الجِهاد في محاربته ومقاومته، ويقول: إنَّ ردَّ محمد عبده على هانوتو كان مسرحية بارعة، أُعِدَّت لهذا الغرض. يقول المؤلف:

"وقد كان للصوفية شأن عظيم في الجزائر التي احتلها الفرنساويون، فكانوا - أعني الصوفيَّة – الذين هم جماعة الشيخ ظافر، معارضين لدولة فرنسا، فلما اجتمع هانوتو بابن عبده الغرابلي تَصَنَّع ذلك السؤال المتفقين عليه، ليرد عليه ذلك الصديق بالطعن على الصوفيَّة، ليذهبَ بِشَوْكَتِهم القويَّة في بلاد الجزائر، وقد أُعجب البسطاء بذلك الرَّدّ، متوهّمين أنَّ ابْنَ عبده الغرابلي يدافع عن الدين، وما هو إلا هادم لأركانه، ومُبْغِض للمتمسِّكينَ به، ولا غرابة في ذلك، لأنَّ الله - تبارك وتعالى - جعله من الأئمة الذين يسارعون في الكفر". (ص: 52).

ويروي مُحَمَّد الجنبيهي أنَّ محمَّد عبده مات حسرةً حين تخلَّى عنه اللورد كرومر في الواقعة التي كانت بينه وبين رواق المغاربة فيقول:

"إن اللورد كرومر أجهد نفسه في إعلاء شأن ابن عبده الغرابلي، وجعل له نفوذًا تامًّا في جميع الدوائر السياسية، حتى صيَّره نافذَ الإرادة والأمر في القَصْرِ المصري بحالة تدهش المفكرين. وتستميل قلوب البسطاء من الأمة إليه؛ ليستعمله في تنفيذ الأغراض السياسية التي أجمع عليها ساسة الدولة المتحالفة. وقد ذكرناها من قبل [56] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn56). فلمَّا ولاّه وظيفة الإفتاء ليتداخل في الشؤون الأزهرية، ووقعتِ الواقعة التي كانت بينه وبين رواق المغاربة، وهم حماية فرنسا، ورفعوا أمرهم لسفير تلك الدولة، وخاطب ذلك السفير سُمو الخديوي في ذلك الشأن، فقرر سُمُوُّه (أعني عباس باشا الثاني) انفصال الإفتاء عن الأزهر، وهناك توهَّم ابن عبده الغرابلي أنَّ اللورد كرومر يقف في تلك الواقعة موقف المانعين، فكتب أبياتًا من الشعر معناها أنَّ مِن العَجِب أنَّ ذئب (عابدين) يعوي، وأسد دار الحماية يسمع ويسكت، وهذا نص البيتين:

(قَصْرَ الدُّوبَارَةِ) مَا لِلَيْثِكَ رَابِضًا وَالذِّئْبُ فِي بَيْتِ الإِمَارَةِ يَحْجِلُ

إِنِّي سَمِعْتُ (بِعَابِدِينَ) عِوَاءَهُ فَعَجِبْتُ كَيْفَ يَسُودُ مَنْ لا يَعْقِلُ [57]

ثم توجة بهما إلى دار الحماية، ظانًّا أنَّ اللورد كرومر ينخدع لِهَذَا التملّق، ويُسَرُّ بازدرائه لسموّ الخديوي. فما كان خطابه لذلك المغرور إلا أن قال له: ما كنت أظن أنك جهول بالسياسة إلى هذا الحد. أتريد أن توقع بين بريطانيا وفرنسا؟! اذهب مِن حيثُ أتيْتَ؛ فإني لا أتداخل في هذا الأمر، فكانت هي الضربة القاضية على ابن عبده الغرابلي. وكانت سبب حسرته، حتى مات مصابًا بما يُصاب به أهل الحسرة، فلما قضى نَحْبَه نعاه اللورد كرومر نَعْيًا سياسيًّا [58] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn58) يستنهض به أتباعه الذي افتتنوا به؛ حتى يكونوا مكانه في التضليل، وفي تنفيذ ما أجمع عليه السياسيون، مما سبق بيانه. وهذه عبارة نَعْيِه، التي نشرتها الجرائد في ذلك الحين: "فَقَدْنا رجلاً كان يرشدنا في الدين، وفي السياسة، ونرجو من تلامذته ألا تخور عزائمهم بموته).

فكان ذلك النَّعْيُ سببًا في تظاهر السفلة بالطعن على رجال الدين، وازدراء أوامر الله ونواهيه، تنفيذًا لتلك الأغراض السياسية. فأجهدوا نفوسهم تَفَنُّنًا في إنشاء الفتن، التي تذهبُ بِمجد الأُمة ودِينها، وتجعلها أوروباويَّة لا عربية ولا إسلامية، فكان منهم صاحب "تحرير المرأة"، الذي سَنَّ التَّهتُّكَ للنساء في المدن والقرى. وكان منهم صاحب "المنار"، الذي نادى على ابن عبده الغرابلي بأنه الإمام العليم الحكيم". [59] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn59) ( ص: 54، 55).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير