تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونستطيع أن نضيف إلى رأي الشيخ محمد الجنبيهي في الأفغاني ومحمد عبده ومدرستهما، رأيَ عالم أزهري آخر معاصر أيضًا، لَقِيَ كلاًّ من محمد عبده وشيخه الأفغاني وعَاشَرَهما، وهو الشيخ يوسف النبهاني [60] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn60). اجتمع بالأفغاني ومحمد عبده في القاهرة حين كان مجاورًا في (الأزهر)، ثم عاد، فالتقى الشيخ محمد عبده في بيروت أثناء إقامته بها منفيًّا، بعد فشل الثورة العرابية ومحاكمة زعمائها، حين كان النبهاني رئيسًا لمحكمة الحقوق بها. ونشأتْ بينهما مودة، فكان محمد عبده يزور يوسف النبهاني في أكثرِ الأيام. والقيمة الكبرى للرأيين - رأي الجنبيهي والنبهاني - تَعُود إلى أن لرأي كُلٍّ منهما قيمةً أخرى إلى جانب قيمته الفقهية والفكرية، وهو أنَّه شهادة من شاهِدَيْ عَدْل معاصرين. فكلاهما كان معروفًا بين أهل عصره بالصلاح والتقوى والعِلْم، وكلاهما كان صديقًا لمحمد عبده، لم يَصْدُر في كلامه عن حقد أو ضغينة، ثم إن الرأيين يصوِّران الجانب الآخر لصدى دعوة الأفغاني ومحمد عبده عند المعاصرين، وهو الجانب الذي اختفى الآن، أو كاد يختفي تحت تأثير الضغوط والحماية التي تُساند هذه المدرسة وتحارب خصومها.

أوضح يوسف النبْهاني رأيَه في أكثر من موضع من مؤلفاته، شعرًا ونثرًا. أثبتَه نثرًا في كتابه "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق". وأوضحه شعرًا في قصيدته "الرائية الصغرى" التي طبعها مستقلة، ثم أعاد طباعتها ضمن ديوانه "العقود اللؤلؤية في المدائح النبوية". ولخص رأيه في هذه المدرسة في مقدمته فقال [61] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn61): " لما اجتمعتُ بالشيخ رشيد رضا [62] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=80&ArticleID=2272#_ftn62) ذاكَرْتُه بشأن شيخه الشيخ محمد عبده، فقلتُ له في شأنه: إنكم تتخذونه قدوة في دينكم، وتدعون الناس إلى ذلك، وهذا غير صواب، فإنه لم يكن مُحافظًا على الفرائض الدينية، فلا يصح أن يكون قدوة في الدين. فمن المعلوم المسَلَّم أنه كان يترك كثيرًا من الصلوات بلا عذر، وأنا نفسي رافقتُه من وقت الضحى إلى قبيل المغرب عند رجل كان دعانا في جبل لبنان، فلم يُصلِّ الظهر ولا العصر، ولم يكن له عذر؛ بل كان بكمال الصحة، ورآني صَلَّيْتُ الظهر والعصر ولم يُصلِّهما، فسَلَّم الشيخُ رشيد رضا تَرْكَه لبعض الصلوات، وقال في الجواب عنه: لعلَّ مذهبَه يجوّز الجَمْعَ في الحضر. فتعجبت من هذا الجواب؛ لأن الجَمْع إنما يجوز في السفر والمطر والمرض عند بعض الأئمة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولم يَقُل أحدٌ إن الظهر والعصر يُجمَعان مع المغرب والعشاء؛ حتى نحتمل صحة هذا الجواب، ولو جدلاً.

قلتُ له: وأيضًا كانت تاركًا للحج إلى بيت الله الحرام مع الاستطاعة. وبتلك الاستطاعة التي كان مالكًا لها من القوة الجسمية والمالية كان يَحُجّ باريز ولندرة وغيرهما من بلاد أوروبا وغيرها مرارًا كثيرة، ولم يخطر له أن يكون سفره مرة واحدة للحج، مع قرب الديار، فلا شك أنه آثم بذلك أشد الإثم، وتاركٌ لركن من أركان الإسلام.

ثم قلتُ له: ومِمَّا لا يختلف فيه أحدٌ أنَّهُ كان هو وشيخُه الشَّيْخ جمال الدين الأفغانيّ داخلَيْنِ في الجمعية المسونية، وهي لا تجتمع مع الدِّين بوجه من الوجوه؛ بل هي ترفض الأديان كلها، وهي ضد السلطات كلها - الدينيَّة وغيرها - فكيف يمكن أن يكون قدوةً في دين الإسلام مع كونه مسونيًّا، وكذلك شيخه؟! فقال الشَّيْخُ رشيد: نعم، هما داخلان في المسونية، ولكن أنا لم أدخل فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير