تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- لست غافلا عن الأسئلة التي سألها الإخوان وسأجيب عنها بعد حين فاصبروا معي قليلا جزاكم الله خيرا فإني مشغول بعض الشيء.

ذكريات عن الشيخ ابن باديس (تابع)

لقد ذكرت آنفا أن الشيخ رمضان كان يستاء كثيرا من خروج الشيخ الفضيل الورتلاني عن موضوع الدرس ويتكلم في مجالات السياسة رادا على الشيوعيين ودعاة الاندماج وغيرهم. والذي فاتني أن أذكره أن الشيخ رمضان وزملاءه قالوا للشيخ ابن باديس: "نحن لسنا ضد السياسة، ولكننا ضد أن ينتقص من وقت الدرس. فإن كان الشيخ الفضيل يريد الكلام في مواضيع السياسة فليعقد لنا درسا خاصا بها وسنحضر".

وكانت للشيخ ابن باديس دروس عامة يحضرها الطلبة والأساتذة المساعدون وهي: متن الخزرجية في العروض، وكتاب الأمالي للقالي، ودرس التفسير، وشرح الموطأ ... وهذان الأخيران يحضرهما أيضا عامة الناس وخاصة درس التفسير فكان يحضره أهل المدن والقرى المجاورة ...

وكان الشيخ يوقظهم قبل الفجر ويسبقهم إلى الجامع الأخضر ليدرسهم مقدمة ابن خلدون ودروسا في الجغرافيا، وكان ذلك في سدة الجامع، والسدة هي الطابق العلوي من المسجد. وكان يختار هذا الوقت لأنه كان ممنوعا من تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا. لذلك كان يقول لتلاميذه: "أنا أعلم أنكم شباب وبحاجة إلى النوم لكني اخترت هذا الوقت لأنه الوقت الذي تنام فيه الشياطين". يقصد رحمه الله جواسيس فرنسا وعيونها.

والشيء بالشيء يُذكر، لقد حدثني الشيخ عمار مطاطلة حفظه الله وهو أيضا من تلاميذ ابن باديس وقد كان إماما لمسجد الفرقان بحي شاطوناف بالأبيار في أعالي العاصمة الجزائرية، وكان ذلك في حج سنة 1420 هـ وقد سعدت بمرافقته وكنا في غرفة واحدة. حدثني أنه كان يوما في درس من دروس ابن باديس حاملا الكتاب المقرر فإذا به تأخذه سنة من النوم فيسقط الكتاب من يده، فرآه الشيخ ابن باديس وقال له: "أتظن أنك الوحيد الذي بحاجة إلى نوم، أنا ما نمت إلا سويعات" ثم قال: "كيف ينام من أمته في مثل هذا الذل والهوان، وكيف ينام من ..... " إلى آخر ما قال من كلمات لم يتذكرها الشيخ ولكنه يتذكر أسلوب الشيخ المؤثر وطريقته التربوية النافعة.

وكان المقرر في دروس الفقه: متن ابن عاشر للسنة الأولى، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني للسنة الثانية، ومختصر خليل للسنتين الثالثة والرابعة. ولما رأى الشيخ ابن باديس صعوبة المختصر أبدله بأقرب المسالك للدردير، عندها ثار عليه كبار الطلبة قائلين: إن العمدة في الفتوى عندنا هو مختصر خليل ولا يمكن الخروج عنه. فأجابهم بأن الشيخ الدردير هو أحسن من شرح المختصر وكتابه هذا أقرب المسالك يتبع فيه منهج خليل ولكن بأسلوب أسهل غير معقد على الطلبة. فاقتنع الطلبة عند ذلك.

ـ[محمد الأمين فضيل]ــــــــ[03 - 09 - 08, 03:15 ص]ـ

وبينما أنا أكتب هذه الخواطر والذكريات، وجدت وريقات كتبها الشيخ محمد الصالح رمضان عن منهج الشيخ ابن باديس في التعليم فأحببت أن أثبتها هنا لما فيها من الفوائد:

التعليم عند ابن باديس

طريقته فيه تجمع بين القديم والحديث. فالطريقة القديمة تعتمد على حفظ المتون وفهمها ودراسة الشروح المقررة لها. وأما الحديثة فتعتمد على الحوار مع التلاميذ في دراسة النصوص وتوجيه الأسئلة المفاجئة، وبذلك يجعل الطالب في انتباه ويقظة دائمين في الدرس، فإذا لاحظ الأستاذ غفلة أحد الطلاب أو سهو وجه له السؤال فيرتبك الطالب ويضطرب ولا يستطيع الجواب ويخجل من نفسه أمام زملائه فيقول له الشيخ: ابق معنا يا بني ولا تغفل عن الدرس.

ويتعرض الأستاذ للشواهد فيشرحها شرحا وافيا يستخرج منها العبر والحكم وينبه إلى محل الشاهد ويطبقه على القاعدة وبلفت الأنظار إلى ما فيه من النكت البلاغية وأسرار البيان واللغة العربية، فينير أفكار التلاميذ ويجعلهم يتذوقون جمال اللغة العربية وأساليبها التعبيرية، وكذلك درسه للأدب من الأمالي للقالي أو غيره. ويحرص الأستاذ على إفادة طلابه وعدم التهاون معهم في إفادتهم بأقصى ما يمكن.

الفنون التي يدرسها: هي النحو والصرف والبلاغة وغالبا ما يدرس هذه المواد على كتاب قواعد اللغة العربية المؤلف حديثا في مصرالذي وضعه كبار أساتذة الأدب واللغة العربية الجامعيين المقرر لبلتعليم الثانوي هنالك، وتتخلله تمارين تطبيقية مهمة تساعد على استيعاب الدرس، زيادة على الكتب المقررة كالآجرومية والقطر والألفية إلخ ...

ويدرس الفقه من كتب عبد الواحد بن عاشر والرسالة لابن أبي زيد والشيخ خليل أو أقرب المسالك حسب مستويات الطلاب ودرجاتهم. ويحاول في دراسة الفقه ربط الفروع بأصولها ذاكرا مآخذها ومنشأ الخلاف فيها بين الفقهاء خاصة مع الطبقات العليا لطلابه. وربما يتوسع لهم ويتعمق في الاستدلال والاستنباط تاركا الطرق القديمة الجافة المعهودة في درس الفقه التي تعتمد حشو أذهان الطلاب بالمعلومات المتضاربة والخلافات المذهبية المتباينة دون أن يعلم الطالب سبب الخلاف وعلته ولا ربط الفروع بالأصول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير