تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

.. وقال ابن عبد الرَّزَّاق: ليس (الأَمْثَالَ) [الرعد: 17] بتمام؛ لأنَّ (الحسنى) صفةٌ له، فلا يتمُّ الكلامُ دونها، والمعنى على التَّقديمِ والتأخيرِ؛ أي:الأمثالُ الحسنى للذين استجابوا لربِّهم.

... والأول هو الوجه " [1].

... والأمثلة في علاقة الوقوفِ بالتَّفسيرِ كثيرةٌ، ويكفي في مثلِ هذا المثالُ، ومن الأمثلةِ التي هي مرتبطةٌ بالتَّفسيرِ، ولها علاقة بعلم الفقهِ، ما ورد في آيةِ القذفِ من سورة النور، وهي قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 4، 5].

... فمن لم ير قبول شهادة القاذف بعد التوبة، كان الوقف عنده على قوله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا).

... ومن كان رأيُه قبولَ شهادةِ القاذفِ بعد التَّوبة، كان الكلام عنده متَّصِلاً، وكانَ الوقفُ عنده على قول الله تعالى (فإن الله غفور رحيم) [2].

... هذا، وَوُجُودُ بابٍ في علم التَّجويدِ يتعلَّقُ بالوقفِ والابتداءِ لا يعني أنَّه نابعٌ من علمِ القراءةِ، بل هو أثرٌ من آثارِ التَّفسيرِ، ولكن إذا بانَ المعنى، ظهرَ للقارئ مكانُ الوقفِ، وهذا يعني أنَّه إنَّما يعلَّقُ بالأداءِ بعد فهمِ المعنى؛ لأنَّ القارئَ يَحْسُنُ أداؤه بإبرازِ المعاني بالوقفِ على ما يتمُّ منها، وبه تظهرُ جودةُ ترتيلِه، والله أعلم.

... ولا تخلو كتبُ علمِ الوقفِ والابتداءِ من حكايةِ بعضِ الوقوفِ الغريبة، التي قد يستملِحها بعضُ النَّاسِ، ولكنَّها خلافُ الظاهرِ المتبادرِ لنظمِ القرآنِ، ومن أمثلةِ ذلكَ:

... ما وردَ من الوقفِ على لفظِ (ربِّكم)، والابتداء بقوله (عليكم ألا تشركوا به شيئا) في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: 151]، قال الأشموني: " ... (ما حرم ربكم) حَسَنٌ، ثمَّ يبتدئُ (عليكم ألا تشركوا) على سبيل الإغراءِ؛ أي: الزموا نفيَ الإشراكِ " [3].

... والظاهرُ المتبادرُ من النَّظمِ القرآنيِّ أنَّ الوقفَ يكونُ على لفظِ (عليكم)، وتحتملُ جملة (ألا تشركوا به شيئا) على هذا وجهينِ من الإعراب:

... الأولُ: أن تكونَ هذه الجملة خبراً لمبتدأ محذوف، ويكونُ تقديرُ الكلام: هو ألاَّ تشركوا [4]، أو يكون تقديرُه: ذلك ألاَّ تشركوا [5]، وعلى هذا الوجه الإعرابيِّ يصلح الابتداءُ بها على سبيلِ الاستئنافِ.

... الثاني: أن تكونَ هذه الجملةُ في موقع عطفِ البيانِ من جملةِ (إلا ما حرم)، ويكونُ التقديرُ: قل تعالوا أتلُ ما حرَّمَ ربُّكم عليكم: أتلُ ألا تشركوا به شيئاً [6].

... ومن الوقوفِ الغريبةِ المستنكرةِ ما حكاه النَّحاسُ في قوله تعالى {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]، قال: " ومن القُصَّاصِ الجُهَّالِ من يقفُ على (ولها عرش)، فقال عبد الله بن مسلمٍ [7]: وقال من لا يعرفُ اللُّغةَ والوقفَ: (ولها عرش)، ثُمَّ يبتدئُ (عظيم وجدتها) [النمل: 23، 24]، وقد أخطأ، ولو كان كما قال، لقال: عظيمٌ أن وجدتها.

... قال أبو جعفر: (وهذا من قول القتبيِّ حسنٌ جميلٌ) " [8].

... ولهذا لا يحسنُ أن يستحسنَ القارئُ وقفاً دونَ أن يكونَ عنده فيه نظرٌ صحيحٌ، وكم تسمع من مستنكراتِ الوقفِ التي يقصدُ أئمَّةُ المساجد أو غيرُهم من القراءِ الوقفَ عليها لشيءٍ لاح لهم بادي الرَّأي، وهي عند التَّمحيصِ هباءٌ منثورٌ لا حقيقةَ له؟!

... وقد طُبعَ من كتبِ الوقف والابتداء: إيضاحُ الوقف والابتداء، لابن الأنباري (ت 328)، والقطعُ والائتنافُ، للنَّحَّاس (ت 338)، والمكتفى في الوقف والابتداء، لأبي عمرو الدَّانيِّ (ت 444)، وعلل الوقوف، للسجاونديِّ (ت 560)، والمقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء، لأبي زكريا الأنصاريِّ (ت 926)، وتقييد وقوف القرآن، لمحمد بن أبي جمعة الهبطيِّ (ت 930)، ومنار الهدى في الوقف والابتداء، للأشمونيِّ.


... [1] المكتفى في الوقف والابتداء، للداني، تحقيق: الدكتور يوسف المرعشلي (ص: 335). والأمثلة في اعتماد تفسير السلف في بيانِ مواضعِ الوقوف كثيرةٌ في كتاب الداني.
... [2] انظر تفصيل الأقوال في: القطع والائتناف (ص: 94 - 95).
... [3] منار الهدى في بيان الوقف والابتداء، للأشموني، نشر مكتبة الحلبي، ط 3.
... [4] ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (12: 215).
... [5] ينظر: القطع الائتناف، للنحاس (ص: 326).
... [6] ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (12: 216)، والقطع والائتناف (ص 326)، والتحرير والتنوير (8: 157).
... [7] هو ابن قتيبة.
... [8] القطع والائتناف (ص: 535).

... انتهى [أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن، ص 185 - 190، ط2 دار ابن الجوزي].

... ولا يخفى أن مباحث هذا العلم على ضربين؛ أحدهما يدرس مواضع الوقف والابتداء في كلام الله، وهو ما تحدث عنه الدكتور مساعد فيما نقلنا عنه أعلاه، والضرب الآخر يختص بكيفية الوقف على الكلمات والحروف، وذلك مما يدرس عند أهل اللغة والتجويد، ولعل ذلك مما ساهم - إلى جانب ما ذكره الدكتور مساعد - في إفراد فصول له في بعض كتب علم التجويد. والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير