[تأملات في سورة العنكبوت]
ـ[هيفاء الحواس]ــــــــ[11 - 10 - 09, 07:45 ص]ـ
[تأملات في سورة العنكبوت]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه وقفة وقفتها منذ أيام في سورة العنكبوت .. لفت نظري ترابط عجيب بين أول السورة، ووسطها، وآخرها، وما طُرح فيها من قصص الأنبياء! ولو أعطينا من أوقاتنا لمثل هذا التأمل والتدبر لوجدنا فيه خيرًا كثيرًا.
ابتدأ الله سبحانه هذه السورة العظيمة بقوله: ((ألم)) هذه الأحرف المقطعة التي اختلف فيها العلماء، جُمعت في قولك: "نصٌّ قاطعٌ له سرّ"، وقعت في بدايات السور: بعضها حرف: ((ن))، ((ص))، ((ق))، وبعضها حرفان: ((حم))، وبعضها ثلاثة: ((ألم))، وبعضها أربعة: ((ألمر))، وبعضها خمسة: ((كهيعص))، ((حم عسق)).
ذُكر فيها ما زاد على عشرين قولاً، بعض العلماء قالوا: هي من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله ((فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخَر متشابهات))، والذي رجحه كثير من العلماء أنها تدل على إعجاز القرآن وعظمته؛ فهذه الحروف هي التي رُكِّب منها القرآن، فإن استطعتم أن تأتوا بمثله، أو بعشر سور، أو سورةٍ مثله، أو سورةٍ من مثله _وقوله: (مثله) ليس كقوله: (من مثله) _. وكثيرًا ما يأتي بعد هذه الأحرف كلام عن القرآن؛ لذلك استشفَّ العلماء منها ذلك.
((أحسب الناس أن يُترَكوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون (2) ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين)): همزة استفهام فيها معنى الإنكار: أَمِن المعقول أن يكون هناك إيمان دون أن تكون هناك فتنة؟!! إنكار على مَن يحسب أنه تخلُّص من الامتحان والفتنة في هذه الدار، وإخبارٌ منه سبحانه عن سرِّ هذه الفتنة والمحنة، وهو تبيين الصادق من الكاذب.
ومن ظنَّ -بمفهوم المخالفة- أنه بإعراضه عن الإيمان متخلِّصٌ من الفتنة، فقد أخطأ! وإن بين يديه من الفتنة والمحنة والعذاب الشيءَ العظيم.
قال وهب: قرأت في كتاب رجلٍ من الحواريين: "إذا سلك بك سبيل البلاء، فقرَّ عينًا؛ فإنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين، وإذا سلك بك سبيل الرخاء، فابكِ على نفسك؛ فقد خولف بك عن سبيلهم".
ما معنى هذه الفتنة؟
يقول الله -عزَّ وجل-: ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمَّا يأتِكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسَّتهم البأساء والضراء وزلزلوا ... )) الزلزال: اضطراب في الأرض. وكذلك زلزلة الإنسان! هل تتصور أن الإنسان يتزلزل؟؟ أي: كل ما في نفسه يتحرك ويضطرب بسبب هذه الزلزلة، حتى مبادئه تتزلزل! وقد تسقط!!
خباب بن الأرت -رضي الله عنه- يأتي رسول الله وقد كثر العذاب عليه وعلى قومه فيقول: "يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟! " ألا تدعو لنا؟! وكأنه يقول: تعبنا! فجلس -صلى الله عليه وسلم- وقد احمرَّ وجهه وقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل فيحفر له في الأرض، ثم يُجاء بالمنشار فيُجعل فوقرأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه! ".
((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلمِ الله الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين))؟!
((ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم))
((ما كان الله لِيذرَ المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يَميزَ الخبيثَ من الطيِّب ... ))
يتعرض الإنسان للفتن إما في ماله، أو في نفسه، أو في دينه -وهي أعظمها! -، والإنسان يضعف؛ ترى أنك تقبل على السنن وتبعد، تنشط وتضعف؛ لذلك كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا" كل شيءٍ يهون إلا المصيبة في الدين؛ فإما أن تثبت على دينك أو تتخلى عنه!
ومن أمثلة الفتنة في الدنيا: الفتنة في الصحة وفي القوة، الفتنة في المال؛ فرزق الله لك فيه فتنة: هل ستؤدي حقه سبحانه فيه؟ هل سينطبق عليك قوله r: " المال الصالح للعبد الصالح"؟ هل ستنفق منه هاهنا وهاهنا؟ وأصحاب الأموال يؤخرون في الجنة إلا من قال من عباد الله هكذا وهكذا وقليل ما هم!
((ونبلوكم بالشر والخير فتنة))
¥