[مسائل في نزول المعوذتين]
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[18 - 10 - 09, 06:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا إله إلا هو أحمده وأستعينه وأستغفره وأتوب إليه، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فهذا بيان لمسائل تتعلق بنزول المعوذتين لخصتها من بحث مطول أرجو أن ينفع الله به طلاب العلم والباحثين، وليس المراد من هذا الموضوع بيان تلك المسائل فحسب، وإنما أردت أن يستفيد طالب التحقيق في التفسير فوائد علمية ومنهجية تعينه بإذن الله على التدرب على دراسة مسائل التفسير على الخلاف العالي، واكتساب ملكة النقد والتمييز بين صحيح الأقوال وضعيفها، والتفطن لعلل الأقوال ومآخذ الاستدلال، ومعرفة مراتب المفسرين وتفاسيرهم، والتدرب على تطبيق قواعد التفسير وأصوله، والتعرف على أهمية التكامل بين علوم الشريعة واللغة العربية، وعظيم أثر هذا التكامل على دراسته وتنمية ملكاته.
وأستفيد مما يبديه أهل العلم والفضل من نقد وتوجيه، وإرشاد وتقويم.
ولعلها تكون حلقة في سلسلة قادمة بإذن الله في مسائل التفسير.
وهذا أوان الشروع في الموضوع:
المسألة الأولى: أمكيتان هما أم مدنيتان؟
والجواب: اختلفَ أهلُ العلمِ في نزولِ المعوِّذتينِ علَى قولينِ:
القول الأول: أنهما مكِّيَّتَانِ
قالَ بهِ: هودُ بنُ محكَّمٍ، والزجَّاجُ، والواحديُّ، وأبو المظفَّرِ السَّمعانيُّ، وابنُ عطيةَ، والنَّسَفيُّ، ونظامُ الدِّينِ النَّيسابوريُّ، وابنُ جُزَيءٍ الكَلبيُّ، وأبو حيَّانَ الأندلسيُّ، والبقاعِيُّ، والسيوطيُّ كمَا في الدرِّ المنثورِ، وأبو السُّعودِ، والسعديُّ، وابنُ عاشُورٍ، وغيرهم.
القول الثاني: أنهما مدنيَّتانِ
وَقالَ بهِ: ابنُ وهبٍ الدِّينوريُّ، والليثُ بنُ نصرٍ السمرقنديُّ، والثعلبيُّ، وأبو عمرٍو الدانيُّ، وأبو مَعْشَرٍ الطبَريُّ، وَأبو محمَّدٍ البغويُّ، وابنُ الأبزازيِّ، والفخرُ الرازيُّ، والخازنُ، وابنُ كثيرٍ، والعَينيُّ في شَرْحِ سُنَنَ أبي دَاوودَ.
وَقَالَ الماورديُّ: (مَكِّيَّةٌ في قولِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ وجابرٍ، ومَدَنِيَّةٌ في أَحَدِ قَوْلَيِ ابنِ عبَّاسٍ وقَتادةَ).
وَتَبِعَهُ علَى ذَلِك: القرطبيُّ، وَابنُ عادِلٍ الحنبليُّ، والخطيبُ الشربينيُّ، والشوكانيُّ، والألوسيُّ، وصِدِّيق حَسَن خَان.
وَمِمَّن حَكَى الخِلافَ وَلَمْ يُرَجِّحْ: ابنُ أبي زَمِنينَ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَة المقرئُ، وَالزمخشريُّ، وَعَلَمُ الدينِ السَّخَاوِيُّ، والعزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ، وَالفَيروزآبادي، وَجَلالُ الدينِ المحليُّ، والثعالبيُّ، وَالقسطلانيُّ فِي إرشادِ السَّارِي، وَزَكَرِيَّا الأَنصارِيُّ، والمبارَكفوري في تحفةِ الأحوَذَيِّ.
فأمَّا القولُ الأوَّلُ فنُسِبَ إلى: ابنِ عبَّاسٍ، وَقتادَةَ، وَالحسنِ، وَعكرمةَ، وَعطاءٍ، وَجابرِ بنِ زيدٍ، وَالضحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ.
وَقَد تقدَّمَ بيانُ شيءٍ من ذَلِكَ فيمَا ذَكَرَهُ الماوردِيُّ وَمَن تَبِعَهُ.
وَيُضَافُ:
نَسَبَهُ أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّد ُبنُ حَزْمٍ للضحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ، وَنَسَبهُ العَيْنِي للسُّدِّيِّ أيضًا.
وَنَسَبَهُ عبدُ الرَّزَّاقِ عَلي مُوسَى لابنِ المبارَكِ فِي مَوضِعَينِ مِن كُتُبهِ.
وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بهِ لهذَا القولِ:
1: مَا رَواه ابنُ الضُّرَيسِ في فضائلِ القرآنِ من طريقِ عُمَرَ بنِ هارُونَ عَن عمرَ بنِ عطَاءٍ عَن أبيهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي ترتيبِ نزولِ سُوَرِ القرآنِ؛ فَعَدَّهُمَا فِيمَا نَزَلَ فِي مَكَّةَ.
وَعُمَرُ بنُ هارُونَ متروكُ الحَديثِ.
2: مَا رَوَاهُ ابنُ مُردويهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ بِمكةَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ذكرهُ السيوطيُّ في الدرِّ المنثورِ، وَلَمْ أَقِفْ علَى إسنادِهِ.
- قالَ أَبو عُبيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّم فِي فَضَائِلِ القُرْآنِ: (حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ عَن مُعاويةَ بنِ صَالِحٍ عَن عَليِّ بنِ أَبي طَلْحَةَ ... ) فذكَرَ السُّورَ المكيَّةَ وَالمدَنيَّةَ وَجَعَلَهُمَا فِي المكيِّ.
¥