تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(3) وبحديث أبي بن كعب قال: "عَلَّمْت رجلًا القرآن فأَهْدَى لي قوسًا فذكرت ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إن أخذتها أخذت قوسًا من نار فرَدَدْتُها" رواه ابن ماجة وأخرجه البيهقي والرُّويَاني. ونقل الشوكاني عن البيهقي وابن عبد البر أنه حديث معلول بالانقطاع بين أُبَيٍّ وعطية الكلاعي الذي روَى عنه، ونقل عن ابن القطان أنه معلول بجهالة عبد الرحمن بن سلم الراوي عن عطية.

وضعف ابن حزم هذا الحديث وقَدَح في طُرُقه بما يعلم من الرجوع إلى المحلى في بابه.

وأجيب عن الحديث بأنه قضية عَيْن (حادثة فردية) فيَحْتَمِل أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عَلِم أن ابن كعب فعل ذلك خالصًا لوجه الله تعالى فكَرِهَ له أن يأخذ عوضًا عنه بعد ذلك. وأما من عَلَّم القرآن على أنه لله وأنه يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به.

(4) وبحديث عبادة بن الصامت عند أبي داود وابن ماجه وهو نحو حديث أُبَيٍّ. وفي إسناده المغيرة بن زياد الموصلي وفيه مقال. وأجيب عنه بأنه قضية عَيْن كحديث أبي. وضعف ابن حزم طرقه في المحلى.

وبعدَ أن أَوْرَدَ ابن حزم أدلة المانعين، ومنها حديث عبد الرحمن بن شِبل بلفظ: تَعَلَّموا القرآن ولا تغلوا فيه، قال إنه لم يَصِحَّ شيء من هذه الأحاديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين عِلَلَها وخلص من ذلك إلى القول بالجواز استنادًا إلى حديث ابن عباس، والحديث المشهور في زواج الرجل بتعليم المرأة شيئًا من القرآن.

(5) وبحديث جابر عند أبي داود قال: "خرج علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي فقال اقرؤوا فكُلٌّ حَسَن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القِدْح (السهم) يتعجلونه ولا يَتَأَجَّلُونَه" وبحديث سهل بن سعد عند أبي داود وفيه "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: اقرؤوه قبل أن يقرأه قوم يقيمونه كما يقام السهم يتعجل أجره ولا يتأجله" (والجواب عنهما) أنهما إخبار مِن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما يكون عليه الناس بعد زمانٍ من تلاوة القرآن بدون تفكير وتدبر فيه فِيهِ، فتراهم يسرعون في تلاوته إسراعًا فيخرج من أفواههم كما يَخْرج السهم من القَوْس. وكذلك في السؤال بالقرآن طلبًا للعاجلة وكلا الأمرين مذموم، فالقرآن كتاب هداية لابد من التبصر فيه والتأمل في معانيه، ولا يكون ذلك مع الإسراع والهَذْرَمَة به ولا يجوز أن يُستجدَى به ويُسأَلَ الناس بقراءته وهذا كما جاء النهي عنه في الأحاديث السابقة فاتفقت الروايات في معانيها على نحو ما أسلفنا ولا دلالة فيها على منع أخذ الأجرة على تعليمه وقراءته.

هذا، وقد مال الشوكاني في "نيل الأوطار" إلى المنع، وقال إن مجموع أحاديث الباب تُفِيد الظن بعدم الجواز وتَنْهَض للاستدلال بها على المطلوب وإن كان في كل طريق من طُرُقِها مقال لتقويها بانضمام بعضها إلى بعض، وجمع بينها وبين حديث ابن عباس بأن حديث ابن عباس وَرَد عامًّا فيشمل الرخصة في أخذ الأجرة على الرقية والتلاوة والتعليم، والأحاديث الأخرى خصصته بمنع أخذها على التعليم فقط فبقي ما عَدَاه جائزًا. اهـ. ملخصًا.

وقد عَلِمْتَ ما في هذه الأحاديث من الضعف وأن أكثرها من القضايا العَيْنيَّة أو في معانٍ أخرى، والحق ما ذهب إليه الجمهور وابن حزم. ولا يخفى ما في الأخذ به من العون على حفظ القرآن ونشره وتربية الناشئة عليه خصوصًا في هذا الزمن الذي يحارب فيه القرآن من أعدائه، وكل الأمم له أعداء بكل وسيلة وحيلة.

ومع ما ذكرنا نسوق قول العلامة الحفني في حاشيته على الجامع الصغير: إن أخذ المقابل على القرآن مذموم حيث كان غنيًّا غنًى ظاهرًا أو غنى قلبيًّا. أما لو كان محتاجًا فلا بأس بأخذ المقابل، ففيه إشارة إلى عدم المغالاة في الأجر وأنه يكفي أخذ ما به الكفاف، والكفاف في كل زمن بحَسْبِه فلا يتغالى فيه إلى حد يدخل به الآخذ فيمن استكثر بالقرآن. وقد جاء في السنة في فضل تَعَلُّم القرآن وقراءته ما لا يَخْفَى فليأخذوا من الدنيا بقدر الحاجة ليغنموا في الآخرة ذلك الجزاء الموفور. وَفَّقَنَا الله وإياكم إلى ما فيه الخير والصلاح، والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير